بالإيمان والعلم والعمل الصالح تنهض الأمم وتبنى الأوطان

+ -

لا شك أن بناء الأوطان وقيامها وازدهارها وتبوأها مكانة بين البلدان ليس بالأمر الهين، ولا هو شيء يقوم بين عشية وضحاها، وإنما جهود تبذل ودماء تراق وأموال تنفق وعلم وتخطيط، مع قوة إيمان وقوة عقيدة، وسلامة قصد وصدق نية، وعلو همة. كما أن بناء الأوطان لا يكون بالشعارات والدعاوى الزائفة، وإنما يكون بالتخطيط المحكم والبناء الفعال، واتخاذ جميع الوسائل والأسباب لقيامها.

وبالإيمان يحيا المسلم حياة سعادة مطمئنة، قال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، وبه زيادة الهداية والتوفيق من الله سبحانه: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى}، وبه يتحقق التمكين في الأرض والاستخلاف وانتشار الأمن، قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا}.

والنفس لا تنتج عملا في جو مضطرب أو إذا كانت غير مرتاحة، ولذا جاءت تعاليم الإسلام لتريح النفوس بما شرع أمامها، فيتهيأ الجو للعمل والإنتاج، وجوهر ذلك العلاقة مع الله، فيوصل ذلك العمل لرضاه وجنته في الأخرى، مع الثمرة المفيدة التي تعود على الفرد نفسه وعلى مجتمعه بالفائدة الظاهرة. وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: “رحم الله امرأً صنع صنعة فأتقنها”.

ثم بالعلم يكتشف الإنسان أسرار الكون ونواميسه، ويسخرها لخدمة نفسه ومجتمعه. وبالعلم تُصنع الحياة الكريمة الراقية، ويقضى على الأمية والجهل والفقرِ والجوع والمرض، وبالعلم يكسب الناس المعرفة بالحقوق والواجبات. وبه مفاتيح التخلصِ من الأزمات والمشكلات. وبالعلم والإيمان يرفع صاحبهما فردا كان أو جماعة {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
بالعلم تنهض الأمم وتتقدم وبالجهل تتقهقر الأمم وتموت؛ فليس أمام وطننا الغالي العزيز فيما إذا أراد النهوض واللحاق بركب الأمم المتقدمة سوى طريق الإيمان والعلم والفلاح.

إن فوائد العلم لا تنحصر في الأمور الحياتية وفي تقدم الأمم فقط، فله فوائد حثنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحون من بعده، قال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب}.

فلا يمكن أن تبنى حضارة دون أن يكون أحد أركانها العلم؛ فبالعلم تتطور الأمم والمجتمعات وتنهض وتتقدم؛ وإن الناظر في تاريخ الأمم، قديمها وحديثها، يلاحظ أن تحضرها ورقيها كان مرتبطا بالعلم ارتباطا وثيقا؛ لذلك ولغيره حث الإسلام على العلم وأكد عليه حتى كان أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم داعية إلى العلم، قال تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق... }.
ثم يأتي العمل، فالقوة الاقتصادية ضرورية في تقدم الأمم وهى عماد أول من أعمدة البناء، ولن يقوى الاقتصاد في أمة إلا بالعمل والإنتاج؛ ولذا أمرنا الإسلام أن نبذل الجهد وأن نستفرغ الوسع والطاقات والمواهب في العمل والإنتاج حتى في أحلك الظروف؛ حتى وجهنا الإسلام أن قيام الساعة لا ينبغي أن يحول بيننا وبين القيام بعمل فيه نفع للبلاد والعباد، قال صلى الله عليه وسلم: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإنِ استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”.

ولو نظرت في كتاب الله تعالى لوجدت أن الله جل وعلا حث على العمل وطلب الرزق بعد الأمر بالصلاة، ولعل في ذلك إشارة قوية لأهمية ومكانة العمل، قال تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.

كما أن الصحابة الأخيار كانوا دائما في حرص على العمل واستثمار طاقاتهم ومواهبهم؛ فلقد كان لأولئك رضوان الله عليهم دور بارز في مجتمعهم في كافة الميادين، لما استثمروا طاقاتهم ومواهبهم في خدمة دينهم ووطنهم فإن الأمم لن تزدهر ولن ترقى ولن تتقدم إلا باستثمار طاقة أبنائها كل حسب قدراته ومواهبه.

إن الأمم لا تتقدم بالكسل والخمول أو بمجرد الشعارات والدعايات المرسلة، بل إن النجاح والتقدم مرتبط باستثمار الطاقات والمواهب وعدم تعطيلها، مرتبط بالعمل الذي ينفع الأمة، هذا العمل الذي يعود على صاحبه بالرزق الحلال الذي يضمن للإنسان الحياة الكريمة، قال صلى الله عليه وسلم: “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده”.