يوقن العبد المسلم أن الله عز وجل هو الحي القيوم، الملك الذي يملك كل شيء، الغني وما سواه فقير، يعطي ويمنع، ويكرم ويهين، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، يسأله من في السموات ومن في الأرض، يسأله أولياؤه وأعداؤه، ويمد هؤلاء وهؤلاء من عطائه سبحانه وتعالى، وهو سبحانه الذي يكشف السوء من شر وبلاء وفتنة ومصيبة {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون}، أفلا يستحي الإنسان أن يسأل غير الله، والله قد أمره بسؤاله، وتكفل بإجابة دعائه قال سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
الدعاء وصية رب العالمين، فلقد حثنا الله تعالى على الدعاء {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}.
الدعاء سلاح المؤمن يستخدمه وقت الحاجة، فإبراهيم صلى الله عليه وسلم دعا حين ألقي في النار فأنجاه الله، ويونس عليه السلام دعا ربه في بطن الحوت فأنجاه الله، وأيوب عليه السلام دعا ربه حين مسه الضر فكشف الله ضره، وفي غزوة بدر ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكثر فيها من الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، طلبا لنصره على الكفار الذين يريدون القضاء على الإسلام وأهله، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لقد رأيتُنَا ليلة بدر وما فينا إنسان إلا نائم، إِلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإِنه كان يصلي إلى شجرة، ويدعو حتى أصبح)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى في كل أحواله: إذا دخل المسجد أو خرج منه، وإذا ركب دابته مسافرا، وإذا أحس وجعا أو ألما في بدنه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ثلاث دعوات لا تُرَد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم ودعوة المسافر”.
وشروط إجابة الدعاء ثلاثة: دعاء الله وحده لا شريك له بصدق وإخلاص، لأن الدعاء عبادة. وألا يدعو المرء بإثم أو قطيعة رحم، وألا يستعجل. وأن يدعو بقلب حاضر، موقن بالإجابة، ويحسن ظنه بربه.
ومن آداب الدعاء: افتتاحه بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختمه بذلك، ورفع اليدين، وعدم التردد، بل ينبغي للداعي أن يعزم على الله ويلح عليه، وكذلك تحري أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند الإفطار من الصيام، وغير ذلك.
ومن أهم أسباب إجابة الدعاء تحري الحلال في المأكل والمشرب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك”.
قال ابن عباس رضي الله عنه: تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا}، فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو خال النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي يحبه حبا شديدا، فقال يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له: “يا سعد، أطب مطعمك تستجب دعوتك، والذي نفسي بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به”.
ويُسن للإنسان أن يدعو لأخيه بظهر الغيب، فهي دعوة مستجابة بإذن الله تعالى، وللداعي فضل عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب، مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل”.
ولعل إخواننا في غزة وما يلاقونه من إبادة جماعية من بني صهيون هذه الأيام هم أولى وأمس الناس كي ندعو الله لهم أن ينصرهم ويحميهم من جحيم ما يعانوه.. اللهم كن لأهل فلسطين عونا ونصيرا، وبدّل خوفهم أمنًا، اللهم لا تخيب رجاءنا وأنت أرحم الراحمين، نسألك لأهل فلسطين النصر على من عاداهم، عاجلا غير آجل يا رب العالمين.