يقف الناخب الجزائري، ومع الحملة الانتخابية لرئاسيات السابع من سبتمبر القادم، مع ثلاثة شعارات رئيسية لكل مرشح يبحث كل عن استقطاب الناخبين. فوجد هذا المواطن نفسه أمام خيار "الانتصار، الرؤية، الفرصة"، وهي الكلمات التي ترافق المترشحين خلال تجمعاتهم الشعبية وتمهد لعرض برامجهم. وذات الشعارات تتصدر الصفحات الرسمية للمترشحين عبر المواقع الاجتماعية، في تحول واضح من الواقع إلى المواقع التي احتلت الصدارة وأثرت بشكل كبير على العمل السياسي، وأصبحت ضرورة يستعين بها المترشح في الترويج لبرنامجه منذ الساعات الأولى من الحملة.
تحظى الصفحات الرسمية للمترشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر بمتابعة كبيرة من طرف مختلف الفئات، انطلاقا من الطبقة النخبوية وصولا إلى إبسط مواطن بفكرة التسويق السياسي عبر الفضاء الرقمي مع الثورة التكنولوجية، التي أصبحت خيارا لابد منه.
فلم يعد تواجدها مقتصرا على الفايسبوك فحسب، وإنما تجاوزت باقي المنصات على غرار منصة إكس، تيك توك وعرض الصور عبر الأنستغرام، والتي تجاوزت نسبة كبيرة في عدد المشتركين والمشاهدين خلال الأسبوع الثاني من الحملة الانتخابية، وارتفاع نسبتها بشكل كبير مقارنة مع الرئاسيات السابقة.
كما قربت هذه الوسيلة المسافة بين الناخب والمنتخب، وسهلت عملية الاطلاع على برنامج كل مترشح دون عناء التنقل إلى التجمعات وبصفة مباشرة. وذلك عبر هاتفه النقال وأخذ الوقت اللازم للفهم والاستيعاب. وتراها مديريات الحملات للمترشحين الثلاثة فرصة تسمح بكسب الأصوات وإنشاء قاعدة جماهيرية أوسع، خاصة وأن الإحصائيات تشير إلى بلوغ رغم 25 مليون جزائري، وبالتالي ضمان وصول الخطاب والرسائل دون عناء.
وقد تفاعل الجزائريون بصفة كبيرة مع هذه الصفحات الخاصة بالمترشحين أو مواقع الأحزاب التي يمثلونها أو تلك المساندة، أو من خلال صفحات مديريات الحملة، والتي توضحها خاصية إعادة النشر وتثبتها التعليقات ورقم المشاهدة.
وكان الانسجام والمتابعة في العالم الافتراضي بصورة أكبر من الواقع وأظهرت المنشورات التي يضعها المواطن البسيط عن الاهتمام والمتابعة للبرنامج، من خلال انتقاد أو موافقة وحتى إعادة نشر مقاطع فيديوهات عن ما يهمهم وانشغالاتهم، خاصة بالنسبة للعاملين والنقابيين وبعض الذين يبحثون عن جديد الأجور والتقاعد والإدماج والشغل.
وتعد فئة الشباب أكثر المتابعين لهم، وهو ما يعلمه المترشحون الذين يرسلون رسائل لهم متأكدين من وصولها إليهم.
وقد أعلن المترشح للرئاسة عبد المجيد تبون عن إطلاق الموقع الإلكتروني الرسمي وصفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بحملته الانتخابية، داعيا المواطنين إلى متابعة نشاطاته عبر هذه المنصات وكل جديد حول حملته من خلال الموقع الرسمي، وعبر منصات فايسبوك، أنستغرام، وإكس ثريد إلى جانب التيك توك، وقد حملت كلها عنوان من أجل جزائر منتصرة.
وهو الأمر ذاته لصفحة المترشح عبد العالي حساني، الذي وضع موقعا رسميا له وصفحات عبر الفايسبوك تحت شعار فرصة، حيث تحدث مع الجمهور وعرض نشاطاته.
وهو ما ذهب إليه كذلك المترشح الثالث يوسف أوشيش الذي اختار، وإلى جانب ذات المواقع الإلكترونية، الاحتكاك المباشر مع المواطن عبر زيارته في العديد من الأحياء والاستماع إلى انشغالاتهم، مبرزا دور المواطن البسيط في التعب والاستماع إلى انشغالاتهم.
هذا وقد أصبحت هذه الصفحات عبارة عن طرح جملة من المطالب التي ينتظرها الشعب والمواطن، خاصة في شقها الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يغلب عليها على غرار الزيادة في الأجور، صندوق التقاعد، مصير منحة البطالة وتفسيرات نسوية حول الامتيازات التي يمكن أن تستفيد منها المرأة الماكثة بالبيت وحقوق الأفراد وغيرها.
وتجد نفس التعليقات لدى صفحات المترشحين، وتخرج أحيانا إلى الطرفة، غير أن الاهتمام بها واضح بشكل كبير، من خلال التعليق على الخطابات والتركيز على أهم النقاط التي طرحت. فيما يحمل البعض منها جانبا من الكوميديا، التي يلجا إليها المواطن الجزائري للتعبير عن حالته ورغباته على غرار تعليقات "سأحتفظ بنسخ عن الفيديوهات"، "وسأحاسبكم على كلمة وعد وعدتموه ولم يتحقق'...
وتعليقات أخرى لشبان يتذمرون لعدم وضع شق في برنامجهم يخص تزويج الشباب على حساب الدولة، ومعاقبة كل من يفرض مهر أكثر من 20 ألف دينار.
كما وضع آخرون شروطا خيالية للانتخاب والتوجه نحو صناديق الاقتراع، على غرار تحويل مبلغ مالي إلى حسابه الخاص أو تخصيص سفر طويل المدى أو الحصول على سيارة وسكن مجانا، وآخرون يستفسرون عن كيفية الانتخاب، وكيف هو مكتب الاقتراع خاصة للذين لم يسبق لهم أن انتخبوا يوما.
ويطبع جانب الجدية كثيرا على هذه الصفحات، حيث اختلفت الآراء والتعليقات بين المؤيدين والرافضين لكل مرشح، ووضع نسخ عن مطالب لها سنوات ينتظر تجسيدها، حيث عبر البعض عن الإيمان بمشروع من سينتخبه، ويؤكد دعمه لمساره لبلوغ أهدافه مع المستجدات العالمية المتسارعة.
فيما تتجه بعض التعليقات نحو الحماسية واعتبار الانتخابات الرئاسية القادمة فرصة لاختيار الشخص الذي يمكنه أن يقود الوطن نحو مستقبل أفضل، وآخرون مرتبطون بتاريخ الجزائر والثورة التحريرية والتراث المحلي، حيث نجد تعليقات متكررة "تحيا الجزائر"، الله يرحم الشهداء".
هذا ويطرح آخرون مطالب عامة تتعلق بتعزيز الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد بكل حزم وتطوير البنية التحتية، إلى جانب الاهتمام بالشباب وتمكينهم من الحصول على مناصب الشغل. فيما يدعو آخرون بحصول الجزائر على رئيس أفعال وقرارات يتمتع برؤية مستقبلية واستشرافية تقضي على العديد من المشاكل، التي يعانيها الشعب والتركيز على عامل التنمية داخل البلديات. فيما يرى البعض أن الجزائر أمام تحديات صعبة دولية خاصة تلزم وضع قيادة تتميز بالكفاءة.
كما استقطبت هذه الصفحات آراء بعض الفئات النخبوية التي تحدثت عن كيفية وضع أسس التغيير الحقيقية التي تقوم عليها البلدان، والتي تشمل عدة جوانب رئيسية، على غرار الحكم الرشيد والشفافية، القيادة التي تضع مصلحة الشعب، العدالة وسيادة القانون، ضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية، الاستثمار في النظام التعليمي، متابعة الاقتصاد المستدام، إلى جانب مكافحة الفساد وإشراك المواطن في صنع القرارات. وهي المساحات التي فتحت نقاشات كبيرة لم تكن متوفرة في اللقاءات المباشرة في التجمعات الشعبية.