تحريف خطير لتصريح تبون في قسنطينة

+ -

تعرضت تصريحات الرئيس المترشح للرئاسيات، عبد المجيد تبون، حول استعداد الجزائر لإرسال مساعدات إنسانية وإغاثية في شكل مستشفيات ميدانية، لإسعاف ضحايا العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أكتوبر الماضي، إلى تحريف مقصود. وزعم أصحاب هذا التحريف أن تبون أعلن عن إرسال قوات جزائرية إلى غزة، وهو كلام من وحي خيال أصحابه ولم يصدر عن المترشح تبون مطلقا.

تستمر آلة الشر، بلا كلل ولا تعب، في اختلاق الأباطيل والأكاذيب، بعدما ضاقت بها السبل وانقطعت كل حبائل الحيل وسقطت رواياتها التضليلية في الماء، دون أن تحقق شيئا من أهدافها، بزرع الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وإلهائه عن أمهات المعارك التي يخوضونها يوميا من أجل ترسيخ أركان الجزائر الجديدة.

جزائر جديدة، تواصل مسيرة الإصلاح معتمدة على سواعد أبنائها وبناتها، من كل المناهل والمشارب السياسية والفكرية، المتشبعين بقيم ثورة نوفمبر الشاهدة، ثورة هي منبع الفخر والاعتزاز عندنا وعند غيرنا، ثورة سرعت باستقلال من كانوا تحت نير الاستعمار وبمن فيهم الجار الغربي، الذي لن يهنأ أبدا ما دامت جزائر الأحرار تتقدم نحو المزيد من السؤدد والمجد والريادة، بالرغم من محاولات التثبيط وزرع اليأس في نفوس شبابها وحملات التشويه.

آخر هذه المحاولات الفاشلة، ما تعرضت له تصريحات المترشح للرئاسة، عبد المجيد تبون، في قسنطينة العلماء والدين والثقافة والفنون، عندما طالت أقلام وأصابع الأيادي الآثمة للمساس بالعلاقات الجزائرية المصرية، محرفة عبارات بأكملها عن سياقها، مرتكبة بذلك أكبر جريمة في حق شعبين شقيقين، الجزائري والمصري، في خطوة لبث السم في جسد العلاقات المتينة بينهما.

وسواء أكان تبون هو المتحدث أو منافساه يوسف أوشيش أو عبد العالي حساني شريف، فإن موقفنا سيكون هو نفسه. في قسنطينة، كان كلام تبون واضحا، وهو نفس الكلام الذي قاله بمناسبة معرض الجزائر الدولي في طبعته الـ55، في شهر جوان الماضي، حيث أكد أن الجزائر مستعدة لإنجاز مستشفيات ميدانية لصالح قطاع غزة في حال توقف الحرب هناك. كان تبون يتحدث بحضور وسائل الإعلام الوطنية والدولية التي تلقفت تلك التصريحات وتداولتها على نطاق واسع على مدى عدة أيام، وذلك بغرض مساعدة الطواقم والفرق الطبية هناك في قطاع غزة وتمكينها من معالجة الجرحى، في ظل استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023.

ولمن تهمه التفاصيل، فقد جاء تصريح الرئيس تبون خلال وقوفه عند جناح المؤسسة المركزية للبناء التابعة للمديرية العامة للصناعات العسكرية بوزارة الدفاع الوطني، حيث دعا هذه المؤسسة للإسهام في مشروع إنجاز القرية المنجمية المقرر إنجازها على مستوى غار جبيلات في ولاية تندوف، وذلك بقصد مرافقة تجسيد هذا المشروع الاستراتيجي.

وردا على دعوة تبون، أكد ممثل وزارة الدفاع الوطني أن المستشفى الذي ستتراوح مدة إنجازه ما بين 10 و15 يوما، يضم قاعة مهيأة للجراحة والتعقيم، ومجهز بكل المستلزمات الطبية الحديثة.

وعندما يتحدث تبون عن مساعدة الفلسطينيين، فهذا ليس من باب الدعاية للإنتاج الجزائري ولا من باب "استعراض القوة" أو الذود عن قضايا الأمة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، القضية المركزية بالنسبة لجميع العرب والمسلمين، وإنما من باب التأكيد على إسهام الجزائر حكومة وشعبا في تضميد جراح الأشقاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في قطاع غزة الذي دمرت منشآته الصحية وخرجت عن الخدمة بفعل العدوان الإسرائيلي المدعوم من بعض الأطراف الإقليمية، وفي مقدمتها النظام الجاثم على صدر الشعب المغربي، الرافض لذل التطبيع وهوان التواطؤ في حرب إبادة تطال الشعب العربي الفلسطيني.

وعن دخول الجيش الجزائري إلى غزة، فهذا هو الخبل بعينه، خاصة أن إرسال قوات جزائرية خارج الحدود الوطنية لن يتأتى إلا بعد موافقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضائه، على أي مقترح من هذا القبيل، وذلك احتراما لمؤسسات الدولة وتمثيليتها لأغلبية الشعب الجزائري الذي يفوض البرلمان عبر انتخابات عامة.

ومن باب الخبل والغباء الإعلامي والسياسي لدى مروجي هذه الأباطيل التي يراد منها التغطية على مواقف الجزائر تجاه الأشقاء العرب في فلسطين وأيضا في جارها لبنان، الذي يمر بفترة عصيبة جراء تعطل محطات توليد التيار الكهربائي، بسبب نفاد الوقود الموجه لتشغيلها، وهي معضلة يعاني منها هذا البلد العربي منذ عقود، بفعل مواقفه القومية، فإن الجزائر لا ولم تخف يوما دور أسطولها الجوي العسكري في القيام بالمهام الإنسانية ونقل المساعدات الإغاثية إلى مناطق مختلفة من العالم من باب التضامن الإنساني، بل ويفتخر الجزائريون بجيشهم الشعبي وما يقوم به لتخفيف المعاناة عنهم وعن جيرانهم وأشقائهم في الأوقات الصعبة وفي المحن، مثلما حدث خلال فترة جائحة كوفيد-19، حيث أقامت القوات الجوية الجزائرية جسرا جويا لنقل المستلزمات الطبية واللقاحات من روسيا والصين على مدار أسابيع، تمام مثلما تفعل الكثير من جيوش العالم.