ضرورة وقف جرائم الإبادة الجماعية على أهل غزة

38serv

+ -

 تعدّ جرائم الإبادة التي يتعرض لها إخواننا الفلسطينيون، هذه الأيام في غزة، من أخطر الجرائم الدولية بعد تلك الجرائم ضد الإنسانية التي عرفها الإنسان، نتيجة الحرب العالمية الأولي والثانية، والتي عانى منها كثيرا نتيجة خطورتها وآثارها على البشرية، وخاصة المدنيين العزل، حيث أن هذه الجريمة لها آثار على تطبيق القانون الدولي الإنساني وعلى تحقيق السلم والأمن الدوليين في العالم.

إن فكرة استئصال وإبادة أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب، أو جماعة من الجماعات في حقيقتها فكرة شيطانية، أول ما ألقى الشيطان بها كان في نفس فرعون، حيث عمد إلى قتل وذبح كل مولود ذكر، خشية أن يكون منهم من ينازعه ويقتله، وقد حكى القرآن عن جريمة الإبادة الجماعية هذه في سورة القصص، حيث قال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}.

وهذه النزعة الاستئصالية التي تجنح ببعض عتاة الإجرام المهاويس إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعية في حق من يستضعفونهم يرفضها الإسلام ليس في البشر فحسب؛ بل في الحيوانات أيضا. فلم يُجِز الإسلام إبادة نوع أو أمة من العجماوات لسبب من الأسباب، وقال في ذلك رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: “لولا أن الكلاب أمة من الأمم، لأمرتُ بقتلها”. فلم يأمر بإبادتها وتخليص الناس من أذاها، ولكنه عليه الصلاة والسلام نظر إلى الأمر نظرة أعمق، فرأى أن هذه الكلاب -بتعبير القرآن- (أمة) لها خصائصها وصفاتها التي ميَّزتها عن غيرها من الأجناس التي خلقها الله، وإنما خلقها لحكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وقد قال تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}.

وقد هديت الأسرة الدولية، ممثلة في الأمم المتحدة، إلى رشدها حين اتفقت على إصدار اتفاقية لمنع جرائم الإبادة الجماعية في 1948، والتي أعلنت فيها أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها، ويدينها العالم المتمدن. ولقد كان الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب التي كانت ضحية أعمال تدخل في إطار الإبادة الجماعية التي نصت عليها اتفاقية الأمم المتحدة، لمنع الإبادة الجماعية والعقاب عليها من سنوات النكبة وحتى يومنا هذا، وإن قلب المسلم، هذه الأيام، ليبكي دما تجاه أحوال إخوانه المسلمين المضطهدين في غزة وفلسطين، فما بال العالم الإسلامي لا يتخذ موقفا قويا من أجل إيقاف هذه الإبادة الجماعية وحماية الشعب الفلسطيني المسلم!!

لم يسبق في التاريخ الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية، أن أقدمت دولة على ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق شعب آخر، كما تفعل إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني هذه الأيام؛ ويقع كل هذا تحت سمع وبصر الدول الإسلامية التي لم تعد تملك سوى الشجب والاستنكار، بعد أن وهنت قوتهم وتفرقت كلمتهم، وصاروا أشداء على أنفسهم رحماء على أعدائهم، فتحققت فيهم نبوءة رسول الله عليه الصلاة والسلام حين قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: أمن قلة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنا الله من صدر عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن، قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالمؤمن لا يجب أن يتواكل ويـرضـى بضعفه، منتظرا العون الإلهي من السماء، بل عليه أن يجاهد للدفاع عن حقوقه، ولـذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يستحث عباده المستضعفين أن يجاهدوا ولا يستسلموا للظلمة والجبارين، ويأمرهم بالجهاد ومقاتلتهم وهو من ورائهم ظهير ونصير، فيقول تعالى: {وأخرِجوهم من حيث أخرجوكم}، كما يقول أيضا: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}. كما يجب على دول العالم ضرورة التحرك لوقف جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإلى تنفيذ الإجراءات الاحترازية التي أمرت بها محكمة العدل الدولية.

ولا يكفي مجرد إدانة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تقوم بها القوة القائمة بالاحتلال في قطاع غزة، لكننا نطالب بمحاسبتها على الانتهاكات الجسيمة بحق الشعب الفلسطيني، لأن تغييب العدالة في فلسطين يهدد الأمن والسلم الدوليين على نحو خطير، ويشكل رخصة أخرى للتضحية بالمكلومين والمستضعفين المحميين بموجب قواعد القانون الدولي