إن العمل من أجل إنجاز هذا الفقه وبناء الواقع المنشود، يكمن في تحقيق المثل الأعلى الذي نهتدي به في عملنا ونستنير بنوره في بناء الواقع المنشود، يتمثل في إعادة كتابة السيرة النبوية بالصورة الملائمة، فكل ما كتب عن السيرة النبوية، حتى التي حصلت على جائزة الملك فيصل، لم تسلم من الخلل، في تجسيد الحياة المدنية التفصيلية التي يحتاج إليها الناس في كل العصور، بل اكتفت بالحديث عن وضعها الاستثنائي ولم تتحدث عن الحياة العادية.
هذا التناول جعل حياته صلى الله عليه وسلم كلها غزوات، من غزوة بدر، إلى غزوة أحد، إلى غزوة الخندق إلى غيرها من الغزوات، مع أنه بين بدر والخندق ست سنوات ضائعة لا نعرف عنها شيئا في السيرة، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء للحرب فقط. وبناء عليه، فإننا نحتاج لفريق من الباحثين يملأ هذا الفراغ، بالاعتماد على التفاسير وعلى كتب السياسة الشرعية، وعلى كتب الحديث والسنة، نريده أن يقدم لنا سيرة ترسم حياة رسول الله اليومية لا الاستثنائية، لأن الحياة الاستثنائية المتمثلة في الحرب، فنحن الآن في أمس الحاجة إلى هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، ومع أهله، ومع عشيرته، ومع كل من كان يتعامل معه، فهذا ما نحتاج إليه اليوم، فإنه سيكون بمثابة المنارة التي نستنير بها في بناء الواقع.
ويكمن إنجاز هذا الفقه وبناء الواقع المنشود في تأسيس المنهجية، اعتمادا على المعقول والتجربة السابقة التي نسير بها في بناء هذا الواقع، ففقه النوازل الذي كان لمعالجة وقائع مختلفة عبر العصور أو في دول أو أقاليم إسلامية مختلفة، يحتاج منا إلى جمعه على اختلاف المذاهب الفقهية، وتحليله ومقارنته مع المدونات التي كتبت في هذا الصدد، وإلى دراسة المنهجية التي اعتمدت فيها، ثم إلى استنتاج الضوابط والآليات التي استعملت في تنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع المتجددة، عسى أن نستفيد من تلك المنهجية وتلك الآليات في بناء واقعنا، مع مراعاة التنظير اللازم لذلك الآن.
وفي استكمال الركن الذي نأوي إليه عند انعدام النص في استنباط الأحكام، وأريد بذلك استكمال بناء الفكر المقاصدي؛ فلا شك أن الكتابات في علم المقاصد حديثة، وأول من نادى بإحيائه الشيخ الطاهر بن عاشور، ثم توالت بعد ذلك الكتابات، لكن هناك جوانب كثيرة لم تستكمل بعد، فهناك من كتب في مقاصد الشريعة الخاصة في تصرفات المالية، وفي الأحوال الشخصية، لكن الكتابات في المقاصد الخاصة بالسياسة الشرعية، والعقود، والشهادات، والقضاء والسياسة الأمنية والدفاع عن الوطن وغيرها من القضايا الملحة حتى نتمكن من استكمال هذا البناء، وسيكون صالحا لنا نحن في بلاد الإسلام، وصالحا لإخواننا في الغرب.
كما يكمن في تشييد المصدر الذي نستقي منه المعلومات والمعطيات وعن إخواننا في بلاد الغرب ومراكزهم وجمعياتهم، فلابد من إنشاء بنك للمعلومات يهتم بتتبع أخبار المراكز الإسلامية في الغرب والجمعيات الإسلامية وأحوالهم وما أصدروه، ويكون من ضمن عمله ترجمة الأعمال التي أنجزها علماء الغرب حول الإسلام، ونقوم بتشكيل فرق من العلماء تعمل على نقد تلك الدراسات التي تتم ترجمتها من حضارات أخرى، والتي تفيدنا نحن المسلمين في تحسين واقعنا، ونستشف من خلالها نظرة الغير لنا.
*رئيس الهيئة الشرعية بمصرف السلام الجزائر