الجزائر- النيجر.. زيارة انفراج في توقيت عصيب

+ -

زيارة رئيس حكومة النيجر إلى الجزائر مهمة من حيث إنها تعني انفراجة لعطب العلاقة والصد السياسي الذي كان قد طرأ على العلاقات بين البلدين بعد انقلاب أغسطس 2023، والأزمة الدبلوماسية بشأن الوساطة في أكتوبر 2023، وتبادل استدعاء السفراء، ومهمة من حيث التوقيت الإقليمي الحساس، مع أنه ما زال ينتظر الجزائر عملا أكثر صعوبة على هذا الصعيد.

ما من شك في أن مسألة الخناق الاقتصادي الذي يضيق على نيامي، بعد قرار بنين إغلاق حدودها واستمرار عقوبات مجموعة إيكواس، وتثاقل نيجيريا في إمدادات الطاقة للنيجر، (70 في المائة من حاجيات النيجر تأتي من نيجيريا)، عوامل حاسمة دفعت بحكومة النيجر إلى التفكير في إعادة تطبيع العلاقات مع الجزائر، لكونه المسلك التجاري الأساس بالنسبة لهذا البلد، (في 22 ماي الماضي طلبت حكومة النيجر مساعدة من الجزائر لتأمين مسالك التجارة بين البلدين).

بالنسبة للنيجر، تبقى الجزائر الجار الأكثر ثقة، وساهمت هذه الثقة في تسريع المسار المؤدي إلى تجاوز أزمة أكتوبر الماضي، ففي فبراير الماضي أعلنت الجزائر إنجاز عدد من المشاريع الخدمية في قطاعات التعليم والصحة والطاقة في مدن وسط وشمال النيجر، وبعدها بشهر في مارس الماضي أعلن عن بدء ترتيبات عودة شركة سوناطراك للتنقيب عن المحروقات في شمالي النيجر، توجت باتفاق 8 أوت الجاري. وهذا الاتفاق يعززه اتفاق عسكري هام كان قد وقع في أبريل الماضي خلال زيارة نائب رئيس أركان القوات المسلحة النيجرية إبراهيم عيسى بولاما، إلى قيادة المنطقة العسكرية السادسة في تمنراست، جنوبي الجزائر، يقضي بتسيير دوريات عسكرية مشتركة على الحدود البرية التي تربط بين البلدين وتكثيف التنسيق العملياتي الميداني، بهدف مجابهة مختلف أشكال التهديدات الأمنية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو اتفاق سيسهم في تدبير آليات لحماية مسالك التجارة والاستثمارات النفطية الجزائرية في شمال النيجر.

دون الحديث عن تونس وليبيا ضمن (لقاء قرطاج)، تمثل العلاقة التي يتم بناؤها مع كل من موريتانيا والنيجر، في الوقت الحالي، نموذجا جيدا وبديلا حيويا لنموذج ومحددات العلاقات السابقة، من حيث وضع الاقتصاد على رأس المرتكزات الأساسية التي تضمن الاستفادة من العلاقة، وتقديم القيمة المضافة لاقتصاد البلدين، خاصة إذا تم إنجاز منطقة التبادل الحر التي تحدث عنها الرئيس تبون قبل فترة.

تأتي المسائل السياسية وحل الأزمة الداخلية في النيجر، ضمن سياق الزيارة، إذا فهم تصريح رئيس حكومة النيجر "الجزائر كان لها دوماً دور حاسم في مرافقة النيجر ومواقف إيجابية تجاه النيجر لا سيما في أصعب المراحل التي مرت بها"، بشكل صحيح، فهو يمكن أن يعطي مسحة إيجابية لإمكانية إعادة تطوير الوساطة الجزائرية أو مساعدة النيجر على آلية سياسية للعودة إلى المسار الدستوري، بما يعيد تمركز الجزائر في علاقات النيجر، ويحد من تغلغل قوى غريبة عن هذه الجغرافيا، تحاول إعادة هيكلة المنطقة على نحو يتعارض مع مصالح دولها.

لا يمكن بأي حال من الأحوال، فصل زيارة رئيس حكومة النيجر من حيث توقيتها السياسي والإقليمي عن التطورات في جنوبي ليبيا، والتحشيد العسكري لقوات حفتر قرب المثلث الحدودي الذي يشمل الدول الثلاث، ليبيا والجزائر والنيجر، الدولتان معنيتان بذلك بشكل مباشر، رغم تباين الموقف من حفتر، وربما تكون هذه التطورات إحدى دوافع هذه الزيارة التي تتيح انفراجة نسبية تخفف العبء والضغط الإقليمي المتصاعد على الجزائر، وتسمح باستعادة النفس في هذا الفضاء الحيوي بالنسبة للجزائر، وهو أمر مطلوب أيضا مع الجارة مالي، أي تأخر في إعادة رسم تفاهمات جديدة قد يكون مكلفا واستنزاف عصيب للجزائر.

بالنسبة للجزائر، يجب أن تقدم الأزمة السابقة مع النيجر ومسالك انفراجها، درسا كبيرا على أكثر من صعيد، سواء في القراءة الاستباقية لمؤشرات الأزمات، وهذا أمر منوط بالجهاز، وفهم التحولات اللافتة في ديمغرافيا العسكر والمجموعات الحاكمة والنافذة في دول الجوار وتغيير أدوات التمركز التقليدية.

 

كلمات دلالية: