تصنف الجزائر من بين أهم البلدان المستهلكة للبن، وتحتل الصدارة في عدة تصنيفات عالمية سواء عربية آو افريقية، حيث لا تخلو مائدة من فنجان قهوة ولا يحلو اجتماع دون وجودها ولا يعرف آخرون راحة البال دونها.
وقد أضحى للقهوة قيمة اجتماعية فرضت نفسها بشكل كبير على النظام الغذائي واليومي كمنبه لا يمكن الاستغناء عنه، ليبقى السؤال المطروح هل يمكن للجزائري مقاطعة تناول القهوة مع الأزمة العالمية في إنتاج البن وارتفاع سعرها مستقبلا وهل سيتمسك بها؟
تعد المقاهي اكبر ملتقى للرجال، وهي المكان الذي يتم فيه عادة اتخاذ قرارات واتفاقات تجارية وإدارية وحتى أسرية، وهو ما تؤكده الأعداد الهائلة للمقبلين على المقاهي التي لا تغلق أبدا وتعمل بمعدل ساعات طويلة، حيث أنها هي الوحيدة التي تكون مفتوحة بعد صلاة الفجر مباشرة وتغلق بعد منتصف الليل وتكون مفتوحة في الأعياد والعطل الرسمية وغيرها.
ومنها من لا يغلق أبدا خاصة في الطرق السريعة لدرجة تؤكد أنها عنصر أساسي في حياة الفرد الجزائري تتجاوز أهمية الصيدليات التي لا يضاهي عددها عدد محلات المقاهي.
ولم يعد حب ارتشاف القهوة مقتصرا على الرجال فقط، فحتى النساء كذلك مهووسات بها خاصة منهن العاملات اللواتي كذلك وجدن ضالتهن في مقاهي للنساء فقط توفر قهوة ساخنة وبكل الأنواع مع الحلويات التقليدية و العصرية وبعض الفطائر، رغم أن هذه العادة كانت داخل أسوار المنازل حيث تلتقي النسوة حول طاولة أو سينية القهوة سواء في الأفراح أو الأحزان وفي اللقاءات الأسرية والتعارف وغيرها، وتعد تكريما وتشريفا ورمزا للترحيب بالآخر.
وتعد القهوة جزءا مهما جدا في سلة مقتنيات الأسر، رغم أن سعرها يرتفع كل مرة إلا إن العائلات تواصل شراءها، فيما يختار آخرون القهوة الطبيعية التي يتم طحنها أمام أعينهم لخلوها من المواد المضافة، وتظهر أهميتها خاصة في حالات الندرة حيث يتهافت الأشخاص عليها، وهو ذات الأمر الذي يفعل الجزائري الآن مع ارتفاع أسعار البن في العالم بسبب تراجع إنتاجها، ويتوقع أن يزيد سعرها مستقبلا بضعف ما كانت عليه خلال الأشهر الماضية، حيث توجه العديد من المستهلكين نحو المراكز التجارية والمحلات لاقتنائها خوفا من انقطاعها آو تسجيل ندرة دون الاهتمام بسعرها وهذا في وقت خصصت الجزائر رواقا اخضرا للسماح بدخول كميات أكبر وتسقيفها.
"القهوة طقس إجتماعي وجزء مهم من الحياة ولا يمكن مقاطعتها"
ويرى الأستاذ في علم الاجتماع حسين حيون، أن القهوة من المشروبات التي يحبها الملايين من البشر، مما جعلها تحتل المركز الثاني من حيث التجارة في العالم بعد النفط، حيث تعد قيمة اجتماعية تجمع كل فئات المجتمع من طلبة ومثقفين وبطالين وغيرهم لا يمكن التخلي عنها بسهولة.
وقال المتحدث، أن القهوة لدى البعض تتعدى كونها مشروب صباحي أو مكافئة بعد عمل يوم شاق، يشربه البعض ليحصلوا على قليل من النشاط، ولكن تمثل أبعد من ذلك بكثير، فالبعض يتبع طقوسه الخاصة في احتساء القهوة من خلال مزجها بجمالية مكان ما و ذكريات ليهرب بها من ضجيج الواقع، حتى أن البعض يربطها بطقوس التصوف للدخول لعالم النشوة.
وذكر الأستاذ حيون، أن المقاهي صارت موجودة بشكل ملفت وأصبح بين المقهى والمقهى توجد أخرى، حيث لا يمكن الابتعاد عن شرب القهوة أو مقاطعتها بسهولة وأحيانا تكون وسيلة لنشر ثقافة الود، كما أن المقهى المكان الوحيد الذي لا يغلق أبوابه على مدار اليوم والساعات.
"البن غير ضروري في النظام الغذائي وادمانه مضر "
من جهتها أكدت الأخصائية في التغذية العلاجية سارة بوشكوط، أنه يمكن الاستغناء عن القهوة ضمن النظام الغذائي اليومي للفرد ولا يؤثر غيابها حيث يمكن استبدالها بمشروبات أخرى، مشيرة إلى أنه يمكن أن تكون مضرة في حال زيادتها بأكثر من اللازم في نفس الوقت الذي تعتبر مفيدة بنسبة محددة، كونها تساعد في تنشيط هرمون الكورتيزون الذي يعطي الطاقة للجسم.
وقالت الأخصائية العلاجية، أنه ينصح بشرب القهوة بكميات قليلة صباحا أو بعد وجبة الغذاء التي تحوي اللحوم والبيض والحبوب لكن بوقت طويل عنها لان الكافيين يمنع امتصاص مادة الحديد التي أخذت في الوجبة، كما ينصح بالابتعاد عنها ليلا لأنها تفسد النوم كثيرا وتكون مفيدة أكثر خارج الوجبات الغذائية، مشيرة إلى أن الخيار للمستهلك متوفر بدرجة كبيرة حيث يمكن استبداله بكأس من الشاي الأخضر إضافة إلى وجود مصادر أخرى لمنح النشاط وتحسين المزاج خارج القهوة على غرار الشوكولاطة السوداء، أو الاكتفاء بفنجانين يوميا.
وذكرت، أنه يجب تحديد أوقات شرب القهوة، حيث يمكنها أن تكون عائقا في الحياة اليومية، لأنها مذرة للبول لذا يجب مرافقتها بشرب الماء لمنع جفاف الجسم والبشرة، كما أوضحت أن الاستهلاك المفرط للقهوة قد يؤدي إلى الإصابة بالإمساك والكولون العصبي، حيث أوصت بشرب الأربيكا كونها لا تحتوي على نسبة كبيرة من الكافيين ولذيذة المذاق وقليلة الإضافات خاصة مادة السكر معتبرة شراء القهوة المطحونة مباشرة أفضل اختيار.
وقد حذرت من الإفراط في شرب القهوة، خاصة داخل المقاهي التي تكون بجرعة ثقيلة وإدمانها في المقاهي مضر من خلال استهلاكها المفرط مما يزيد من معدل جفاف الجسم والإمساك بنسبة أكبر مع اصفرار الأسنان ومشاكل في النوم مع جفاف للبشرة والتي تتضاعف مع فصل الصيف.
"لا تتجاوزا 3 اكواب من القهوة يوميا"
أما دكتور أمراض القلب والأوعية الدموية، نسيم بوشوح، فيرى أن لشرب القهوة منافع وأضرار على غرار الكثير من المشروبات، موضحا في ذات السياق، أن تناول أي طعام أو شراب كان يجب أن يكون بقدر دون التجاوز المفرط وهو الآمر الذي يمكن أن يتحول إلى مضاعفات تضر بجسم الإنسان.
وقال الدكتور نسيم بوشوح، أن من منافع شرب القهوة هي الحفاظ على التركيز ومنح اليقظة، حيث أن مادة الكافيين الموجودة فيها تعمل على تحسين مزاج شاربها كما تساعد على رفع الأداء البدني مع بداية اليوم، موضحا أن تحفيز إفراز الادرينالين يكون مفيد جدا خاصة للرياضيين وبصفة عامة للجميع والدوبامين الذي يحسن المزاج ويمنع الاكتئاب كما يحمي فنجان القهوة من الأكسدة حيث يصنف من الخيارات المهمة التي تكون مضادة للأكسدة وهو ما أكدته ذات الدراسات التي اعتبرت القهوة مفيدة وتمنع السرطان إلى جانب الاصابة بالباركينسون.
وكشف المتحدث، عن ابحاث علمية اجريت على أشخاص، اثبتت أن تناولهم القهوة بمعدل 2 الى 3 كؤوس يوميا، يقلل من الإصابة بامراض القلب بدرجة أقل من 27 بالمائة مقارنة مع البقية، مواصلا أنه وكطبيب معالج يشرف على علاج مرضى القلب ينصح بشرب القهوة ولا يمنعها على مرضاه شرط ان تكون بنسبة محددة لتفادي بعض المضاعفات.