انتشرت هذه الأيام في حياتنا المعاصرة رذيلة التنمر، وبخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التنمر من جنسهم أو لونهم أو شكلهم بطريقة تثير التقزز والاشمئزاز، لقد شاعت وأصبحت ظاهرة في عدد من المجتمعات، وترتب عليها تداعيات تهدد أمن تلك المجتمعات واستقرارها.
منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكوّنه خلقه أجناسا وأشكالا متعددة وبشرات متنوعة، متساويين في كل شيء على هذه الأرض وجعلهم شركاء في “الإنسانية” التي ميز بها الله سبحانه وتعالى الإنسان عن باقي المخلوقات، لكن ما أفظع وأبشع من أن يتجرد الإنسان من إنسانيته وبفرض جبروته وسطوته ليحدث فروقات طبقية واجتماعية مختلفة، ويستخدم قوته ليعتدي على الضعيف وغناه ليطغى على الفقير، متخليا عن إنسانيته وأخلاقه.
وهكذا وعلى مر الأجيال والأعوام أخذ الناس يتوارثون هذه الأفعال الشنيعة جيلا بعد جيل، ما خلق حالة اجتماعية عدوانية وخطيرة وهي حالة التنمر، بكل أشكاله ومن أهمها التنمر الوظيفي والتنمر المدرسي والتنمر الإلكتروني.
التنمر سلوك يكشف عن مرض نفسي، فالإنسان السوي لا يتورط مطلقا في هذا السلوك المشين، وإن التنمر المشهود ليُعَدّ من أمضى معاول العنف والتباغض والتدابر في هدم لبنات التراحم والشفقة والبر والإحسان في الأسر والمجتمعات.
وديننا الإسلامي ينظر إلى الناس نظرة مساواة من حيث أصل الخِلقة، فليس هناك جنس يفضل على جنس آخر في الخلقة، بل إن الناس يتساوون في الكرامة، من حيث إنهم جميعا بنو آدم؛ ولهذا قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}، وإذا كان هناك تفاضل فيما بينهم، فإنما هو يرجع في الأصل إلى الأعمال الفاضلة التي يكتسبونها بجهودهم المشرفة؛ ولهذا قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
هذا زمان انتكست فيه الموازين، وأصبح الأمر عاديا، حتى أضحى عالم الدين والشريعة مصدر سخرية واستهزاء، فهم يسخرون من ثيابه وكلامه، ومن علمه الذي يحمله، حتى تزعزعت الثقة بين العلماء وعامة الأمة.
وقد حرّم الإسلام الإيذاء والاعتداء ولو بكلمة أو نظرة، فقال تعالى: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}، والتنمر على خلق الله بالهمز واللمز شديد الحرمة لقوله تبارك وتعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم}؛ أي لا تلمزوا الناس، والهمّاز اللمَّاز من الرجال مذموم ملعون؛ كما قال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة}، وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن}، والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرا عند الله تعالى، وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له.
والتنمر يتنافى مع الآداب والأخلاق، ولذلك يجب مواجهة فاعله مجتمعيا وإعلاميا ودينيا، وكل مؤسسات المجتمع المعنية بضبط السلوك العام مطالبة بمواجهة التنمر. ويجب على المجتمع بجميع قطاعاته التعاون والتكامل للتصدي لظاهرة التنمر والحد من انتشارها.
وينبغي للمتنمر المكلف أن يتقي الله، ويستحضر حرمة إيذاء الآخرين، والاعتداء عليهم، والله تعالى يقول: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}، وقال سبحانه: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}.
ثم إن مما لا بد منه التوعية والإرشاد، والتوجيه السليم لمكارم الأخلاق، وبث روح الألفة والمحبة والإخاء عبر وسائل متعددة، وبيان أن التنمر وحش كاسر، ويجب علينا أن ندعم السلوك الراقي المتحضر للإنسان في تعامله مع الآخرين، ويجب على كل إنسان أن يترجم تعاليم وأخلاق دينه في سلوكه اليومي، وكلما كان الإنسان راقيا متحضرا في تعامله مع خلق الله وخاصة الضعفاء منهم، تجسدت فيه الأخلاق والقيم الرفيعة.
وعلينا أن نستذكر قول الله تعالى: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.