38serv

+ -

 لقد آلمنا وأحزننا اغتيال المناضل إسماعيل هنية كما أحزن جميع المسلمين في العالم، لكن يسلينا ما أعدّه الله سبحانه وتعالى من أجر ومكانة عظيمة للشهيد في الدنيا والحياة الأخرى، الحياة الخالدة برفقة النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

فلقد اختص الله عز وجل الشهيد بمكانة سامية سامقة لا تدانيها مكانة في الدنيا ويوم القيامة وفي جنات الخلود، ومن عظيم كرم الله تعالى لهؤلاء الشهداء الذين باعوا أنفسهم من أجل الله، وتساموا على ما يحبون وتغلبوا على شهواتهم واسترخصوا الحياة في سبيل الظفر بالشهادة نيلا لإرضاء الله، أنه تعالى اختار لهم خير الأسماء والألقاب وخير الذكر وخير الخلود... اختار لهم مكانة رفيعة تعد مضرب المثل في العلو والسمو والتسامي والمعالي، تلك المكانة التي لا يصل إليها إلا الأنبياء والمرسلون والشهداء ومن اختارهم الله تعالى من عباده الصالحين.

فكما هو معلوم مما جاء في القرآن والسنة أن للشهيد فضائل كثيرة، منها: قول الله تعالى: “فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما”. وقال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبِيلِ الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون...”. وقوله سبحانه: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون...”.

والشهداء أحياء عند ربهم لا يدركهم الفناء ولا العدم يتمتعون بنعيم الجنة على الدوام خالدين فيها، فإن الشهيد بعد قتله حي، يرزق من الخيرات من نعيم لا ينقطع ولا يزول حتى قيام الساعة والبعث والنشور. فالشهيد عند ربه ضيفا مكرما، لذا فالرزق مفتوح والعطاء غير ممنون متدفق من غير انقطاع، موصول بغير انتظار، حاضر من غير سعي، سهل من غير شقاء، بلا حد أو كمية، لا يخضع هذا الرزق للضرورة والاقتضاء، ولكن للتمني والاشتهاء. ويكفي الشهيد شرفا أن الله تعالى يشهد له والملائكة والنبيين والصالحين ودمه.

ومن فضل الله تعالى عليهم أن لهم منازل من النعيم يوم القيامة حيث لا يفزعون ولا يحيق بهم خوف ولا أذى، قال تعالى: “والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم”. كما جاء عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنسانا من أهل بيته”.

وإن أفضل نهاية ينتهي بها المؤمن من هذه الدنيا -والمفارقة لا محالة- هي نهاية الشهداء، وأَفضل الشهادة شهادة الأَنبياء فأَتباع الأَنبياء ممن ينادون بما نادت به الأَنبياء.

فإن للشهداء فضلا لا تحتويه العبارة ولا تحده الإشارة، ولهم منازل من النعيم الخاص الممدود من الله واهب الخيرات للمحسنين، ذلك أنهم استرخصوا أرواحهم فداء لدينهم وثوابتهم، وقدموا لله كل شيء ولم يأخذوا من دنيا الناس شيئا، إنهم هم المثل الباقية والقدوات الماثلة للأجيال المؤمنة وهي تخطو نحو النصر وبناء الأوطان في كل مرحلة، ولهذا فقد ربح بيع نفوسهم لمولاهم وهو أعلم بهم، أليس هو القائل سبحانه: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والأنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم”.

ولا يعادل أجور الشهداء إلا أهل الطاعات المتنوعة من صلاة وصدقات وقيام وصيام وبذل معروف وجهاد في سبيل الله وتحصيل علم وإصلاحٍ بين الناس وغيرها من صور الطاعات الصالحة النافعة، فلأهل العمل الصالح الصحبة الكريمة مع الأنبياء والشهداء، قال الله تعالى: “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا”.