بعد أكثر من 300 يوم من العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة، لا تزال قوافل الشهداء والجرحى تتوالى من جراء استمرار القصف والغارات الجوية والمدفعية على مناطق القطاع، بينما تتزايد معاناة السكان والنازحين الذين لم يعد لهم ملاذ آمن، إلى جانب انتشار المجاعة والأمراض، بفعل الحصار المطبق والقيود على دخول المساعدات، التي يفرضها الاحتلال.
استشهد، أمس، 4 فلسطينيين وأصيب آخرون جراء غارة شنتها طائرة صهيونية على منزل بمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة. وقال جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في غزة إن "طواقمنا انتشلت 4 شهداء وعددا من الجرحى بعد استهداف طائرات حربية إسرائيلية منزلا لعائلة في خان يونس".
وشهدت الساعات الماضية تواصل القصف الصهيوني على مناطق واسعة في قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 45 فلسطينيا منذ فجر الخميس، فيما يتواصل الهجوم الصهيوني على رفح الذي دخل شهره الثالث، لكن آليات ودبابات الجيش الصهيوني، تراجعت من المنطقة الغربية في تل السلطان وبعض الأحياء في رفح، ليندفع عشرات المواطنين نحو بيوتهم ليكتشفوا حجم الدمار الهائل الذي أصاب مخيم رفح الذي أصاب عشرات العمارات والأبراج السكنية، إذ لم يبق الجيش شيئا من البنية التحتية والطرقات دون تدميرها.
وكان جيش الاحتلال قد ارتكب مجزرة جديدة بحق النازحين الفلسطينيين بعد قصفه مدرسة دلال المغربي في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، حيث أسفرت الغارة عن استشهاد 15 فلسطينيا على الأقل. ولم تتوقف آلة الدمار الصهيونية عن شن غارات دموية على مختلف مناطق قطاع غزة، وسط دعوات إلى "يوم غضب" في الأراضي المحتلة عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية.
في المقابل، تحتدم المعارك وتزداد اتساعا مع إطلاق رشقات صاروخية وقذائف هاون باتجاه مراكز تجمع القوات الصهيونية والمناطق المحاذية لحدود القطاع. وقالت كتائب القسام إنها استهدفت عشر آليات ودبابات بعضها بالشراكة مع فصائل أخرى في الثماني وأربعين ساعة الأخيرة في وسط رفح وأطراف خان يونس وفي تل الهوى في غزة.
من جهتها، أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد، عن تمكن ناشطيها من السيطرة على طائرة مسيرة "درون" لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة. وظهرت في مقطع مصور بثته سرايا القدس مشاهد للطائرة التي سيطرت عليها خلال تنفيذها مهام استخبارية في سماء رفح، كما شهدت مناطق التوغل البري في جنوب مدينة غزة وفي مدينة رفح اشتباكات مسلحة وسمعت أصوات إطلاق نار كثيف تلتها أصوات انفجارات في تلك المناطق.
وفي غضون ذلك، أفرجت قوات الاحتلال، أول أمس، عن 64 فلسطينيا اعتقلتهم من غزة خلال عدوانها البري للقطاع. ووصل 22 أسيرا من بين المفرج عنهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، في حين توجه الآخرون للبحث عن عائلاتهم. وأدلى الأسرى الفلسطينيون بشهادات مروعة عن أساليب تعذيب مختلفة تعرضوا لها في أقبية السجون بعد اعتقالهم من قطاع غزة.
وقال أحد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنه إن قوات الاحتلال اعتقلته عند معبر كرم أبو سالم "وهناك عصبوا عيوننا وبدأت جولات التعذيب التي شملت ضربا وتنكيلا وتجويعا بشكل لم نكن نتخيله مطلقا". وأضاف أحمد، الذي اعتقل لمدة 46 يوما قضاها متنقلا بين سجن عوفر والنقب وسجن آخر في القدس، "كان الجيش يجبرنا على الجلوس قرفصاء معصوبي الأعين ويمنعنا من الحركة أو الحديث مع أي شخص".
وعن جولات التحقيق، قال المتحدث إن جنود الاحتلال "كانوا يسألوننا عن أنفاق المقاومة ويتهموننا بأننا من حماس ويهددوننا بالقتل إن لم نتحدث، والبعض لم يستطع تحمّل التعذيب فاعترف بأشياء لم يرتكبها فقط لوقف التعذيب".
وأوضح أسير آخر مفرج عنه أن جنود الجيش الهمج أجبروه على ارتداء زي عسكري لكتائب القسام وحاولوا إنزاله في نفق لكنه رفض، فعذبوه بشكل قاس على كرسي كهربائي وبدأوا بعمليات الضرب والتنكيل، علما أنه خلال الأشهر الماضية أطلق الجيش الإسرائيلي سراح بعض المعتقلين الفلسطينيين من غزة، على دفعات متباعدة، ومعظمهم عانوا من تدهور أوضاعهم الصحية.
وفي الأثناء، أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، مساء يوم الخميس، استشهاد المعتقل إسلام السرساوي (42 عاما) من حي الشجاعية في غزة، اعتقل خلال الاقتحام الأخير لمستشفى الشفاء، نتيجة تعرضه للتعذيب داخل معسكر سدي تيمان، وهو واحد من بين عشرات المعتقلين الذين استشهدوا في سجون ومعسكرات الاحتلال ويواصل الاحتلال إخفاء هوياتهم. وبينت الهيئة والنادي أنه باستشهاد المعتقل السرساوي "يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 إلى 257، منهم 20 معتقلا ارتقوا منذ بدء حرب الإبادة، وهم ممن تم الإعلان عن هوياتهم، بالإضافة إلى عشرات المعتقلين الشهداء من غزة يواصل الاحتلال إخفاء هوياتهم".
ومنذ أن بدأ عمليته البرية في غزة في 27 أكتوبر الماضي، اعتقل جيش الاحتلال آلاف الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال وعاملون في الطواقم الصحية والدفاع المدني، وأفرج لاحقا عن عدد ضئيل منهم، في حين لايزال مصير الآخرين مجهولا. وكشفت منظمات حقوقية ووسائل إعلام عبرية عن تعرض معتقلين فلسطينيين من غزة لتعذيب وإهمال طبي أودى بحياة العديد منهم في منشآت اعتقال صهيونية.