38serv

+ -

كل الذين خسروا الانتخابات التشريعية في فرنسا، مؤخرا، باركوا قرار ماكرون الداعم لموقف المغرب من قضية الصحراء الغربية، والذين فازوا في تلك الانتخابات رفضوا كلهم القرار ونددوا به، وهو أمر كاف للتأكد بأن باريس لم تدر ظهرها فحسب لمواقف أصوات شعبها، بل فقدت توازنها السياسي والدبلوماسي داخليا وخارجيا.

هل كان الرئيس الفرنسي سيقدم على مثل هذا القرار لو كان سيترشّح لرئاسيات 2027؟، وهل كان بمقدوره تمرير مثل هذا الإنقلاب في قضية الصحراء الغربية لو كان يمسك تيار اليسار بمفاتيح رئاسة البرلمان والحكومة؟، عندما يحدث قرار ماكرون انقساما كبيرا وسط الطبقة السياسية الفرنسية بين مرحّب ومندد بشدة بالقرار رغم أنه يخصّ السياسة الخارجية التي يفترض حدوث الإجماع حولها، فذلك أكثر من مؤشر أن الدبلوماسية الفرنسية تحت حكم ماكرون فقدت توازنها كليا ولم تعد تلقى القبول حتى داخليا، لأنها لم تعد تملك استقلالية صنع قرارها بيدها وأضحت رهينة صنيعة اللوبي المالي والإعلامي.

فماذا تبقى من مصداقية لماكرون الذي يقف ضد روسيا بحجة سعيها لضم أراضي أوكرانيا إليها، وهي التي كانت جزء منها حتى عام 91، ولكنه يدعو في نفس الوقت المغرب ويشجّعه على إلحاق أراضي الصحراء الغربية به، وهي القضية المسجّلة في الأمم المتحدة تحت البند الرابع لتصفية الاستعمار كآخر مستعمرة في إفريقيا! هذا الأمر يتجاوز مجرد الكيل بمكيالين أو ازدواجية في المعايير، بل يكشف أن فرنسا لم تتطهّر بعد من بقايا النظام الاستعماري، وهو السبب في العداء الذي يلاحقها في القارة الإفريقية ووراء رفض تواجدها العسكري في مالي، النيجر وبوركينافاسو وحتى في السنغال بعدما كانت لعقود من الزمن الآمر الناهي وكل شىء يتم بموافقتها.

كل هذه "الخيبات" التي لحقت بدبلوماسية ماكرون، دون حساب تلك التي أخرجت فرنسا من تأثيرها السابق في الشرق الأوسط، كان منتظرا أن يعقبها سقوط آخر وليس أخير في قضية الصحراء الغربية، لتكتمل حلقات سقوط قبضة الإليزيه بمعية الكيدورسي على مفاتيح السياسة الخارجية لفائدة دخول "حانوكا" التي احتفلت بالشموع داخل قصر الإليزيه في جمهورية دستورها يشدّد في مسألة تطبيق اللائكية!

سقوط الماكرونية كان متوقعا منذ الانتخابات التشريعية التي أعقبت عهدته الرئاسية الثانية، عندما رفض الشعب الفرنسي منح الرئيس ماكرون أغلبية برلمانية، وأضيف لها سقوط آخر في الانتخابات الأوروبية. وجاءت الضربة الثالثة في أقل من شهر عندما قرر حل البرلمان وتنظيم تشريعيات مسبقة التي مني فيها حزبه بهزيمة كبيرة لفائدة أحزاب تيار اليسار. سياسيا، كل ذلك يعني نهاية مشوار سيء لماكرون وخروج من الباب الضيق بمستوى ثقة شعبية جد متدنّية واقتصاد غارق في المديونية وتراجع غير مسبوق في تأثير فرنسا الخارجي، ولذلك لا يستعجب من اللجوء، وقد بدأت سكرات الموت، إلى قرارات ترهن علاقات فرنسا وتضرب مصالحها مستقبلا في أكثر من منطقة.

كلمات دلالية: