38serv
أعلن الرئيس الفرنسي اعتراف بلاده بضم المغرب للصحراء الغربية التي تكافح لأجل نيل استقلالها، ووضع بلاده في خدمة المغرب لأجل فرض حل أحادي الجانب للنزاع الصحراوي، وتسخير الآلة الدبلوماسية الفرنسية في خدمته والإلقاء بثقلها في مجلس الأمن الدولي لشرعنة قرار الضم، وكان لافتا في هذا السياق تأكيده أن موقف بلاده غير قابل للمراجعة، على الأقل في ظل حكمه.
وحملت الرسالة الطويلة رغبة فرنسية في تعزيز مصالحها في المغرب والحصول على حصة من مغانم الأراضي الصحراوية وتعويض الخسائر التي تعرضت لها بلاده في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، إلى السعي لاسترجاع الدور الذي طالما لعبته باريس لصالح النظام الملكي، أي ممارسة الوصاية والحماية في أفق انتقال الحكم لولي العهد من والده المتعب، لكن هذه الوصاية من الصعب استرجاعها إذ توجد أطراف أخرى تمارس هذا الدور بتكلفة أقل.
هذا ويعتزم الرئيس الفرنسي زيارة المغرب في قادم الأيام وفق ما جاء في الرسالة، لتأكيد فتح صفحة جديدة في هذه العلاقات.
وبينما راح ماكرون يطلب ود العاهل المغربي، فإنه كان يلقي في الوقت ذاته بالعلاقات الجزائرية الفرنسية إلى المجهول، إذ تضمنت الرسالة تعليقات تعني الجانب الجزائري، من خلال الحديث عن آفاق الاندماج الإقليمي بعد تسوية النزاع، بينما يدفع في الواقع إلى مزيد من التوترات والانقسامات.
وفي هذا السياق، قال المحلل والباحث حسني عبيدي، في تغريدة له على منصة "إكس"، إن الموقف الفرنسي زعزع العلاقة المتوازنة التي اتبعتها باريس منذ عقود بين البلدين الجارين، في وقت يظهر الرئيسان الجزائري والفرنسي كأنهما متفاهمان ولديهما رغبة في المضي قدما.
وأضاف، في رأي الجزائر فإن فرنسا هي التي تفتح الأعمال العدائية، ومن الجانب الجزائري ستتبع بقرارات (أولها سحب السفير كما توقع).
ومن الواضح أن ماكرون قد ارتمى في حضن اليمين الصهيوني المتحالف مع المخزن على أمل تشكيل تحالف حكومي لإبعاد اليسار من العودة إلى السلطة، وتدارك ما فقده من شعبيته من خلال وضع نفسه في حضن هذا التيار المتحمس لقطيعة سياسية مع الجزائر والإضرار بالمصالح المشتركة والتفاهمات التي تمت سابقا.
وتأتي هذه الخطوة امتدادا لمسار ضرب أسس علاقات حاولت الجزائر وباريس على امتداد السنوات تعميقها، ويبدو أنه ماض في تفخيخ هذه العلاقات، وتوجيه الأنظار بعيدا عن الأزمات المتكررة وفشله في الانتخابات الأخيرة، كما فعل في سبتمبر 2021، حيث أطلق حينها تصريحات حاقدة عليها، وكابد البلدان لفترة لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
واختار الرئيس الفرنسي، الذي تراجعت شعبيته بشكل كبير، بطريقة إرادية الذهاب إلى تجميد العلاقات الثنائية لما تبقى من فترة حكمه (تبقت أكثر من ثلاث سنوات)، من خلال وضع نفسه في حضن تيار اليمين المتصهين المتحمس لقطيعة سياسية مع الجزائر.
وفي السياق، من غير المستبعد انهيار كل الورشات التي انطلقت بين البلدين في العهدة الأولى، وقد يمتد الأمر إلى مشروع الذاكرات.
هذا ويشكل هذا التحول في الموقف الفرنسي رسالة للقوى والأطراف السياسية الجزائرية، التي طالما راهنت على بناء علاقات تعاون تفاعلية مع القوة الاستعمارية السابقة على حساب المحاور التقليدية والمصالح الوطنية مع شركاء دوليين لا تربطنا بهم حسابات متعلقة بالماضي.
ومن الناحية العملية، يتطلب الأمر رفع القدرات الجزائرية لاستشراف التحولات الجارية في فرنسا، خصوصا التحولات القائمة منذ سنوات في الطبقة السياسية، والاهتمام أكثر بمصالح الجالية الجزائرية هناك التي تواجه تحديات هائلة.
واللافت في القرار الفرنسي هو تفاعل الجانب المغربي معه، والمترجم في خطاب الملك محمد السادس، ليلة أول أمس، والذي لم يشر على غير العادة إلى الجزائر.
وبعد الخطوة الفرنسية، وتلك التي اتخذتها الولايات المتحدة في نهاية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، فمن المثير رصد رد فعل المخزن الذي قد تنتابه مشاعر تفوق وثقة، معززا بالدعم الذي يحوز عليه، في القيام بمغامرة تزعزع الأمن الإقليمي في المنطقة للهروب من أزماته الداخلية، كما فعل والده في 1962 حيث هاجم الأراضي الجزائرية للسيطرة على مناجم الحديد في تندوف، وليس بالضرورة أن تكون الجزائر هي المستهدف هذه المرة، ولكنها معنية بذلك مباشرة.