دريس مسعود يواصل صنع الحدث

+ -

مازالت قضية تجنب المصارع الجزائري دريس مسعود مواجهه خصمه الصهيوني في منافسات الجيدو ضمن فعاليات أولمبياد باريس تصنع الحدث على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان ابن "الباهية" قد لجأ، رفقة طاقمه التدريبي، إلى حيلة الزيادة في الوزن المحدد (أقل من 73 كلغ) من أجل "الانسحاب التكتيكي" وعدم إجراء منازلة الدور الأول، أمس الأحد، وقام المسؤولون عن تنظيم الألعاب الأولمبية بشطب اسم البطل الجزائري من قائمة المصارعين في ذات الوزن.

وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الخبر على نطاق واسع، وطنيا، عربيا وعالميا، خاصة أن إجراء الأولمبياد هده المرة يتزامن مع حرب إبادة يرتكبها جيش الاحتلال مند السابع أكتوبر الماضي على قطاع غزة، في ذات الإطار تعالت عدة أصوات تطالب بمعاملة رياضي الكيان على غرار ما حدث مع الرياضيين الروس بسبب الحرب في أوكرانيا.

واحتفت العديد من الحسابات سواء في "الفايسبوك" أو "اكس" (تويتر سابقا) بقرار دريس مسعود معتبرة أن مجرد القبول بمنازلة المنافس يعني الاعتراف بكيان مجرم يرتكب أبشع المجازر في حق سكان غزة، مشيدين بـ"ذكاءه" في التعامل مع القضية وذلك من أجل تجنب مصير مواطنه فتحي نورين الذي اضطر إلى اعتزال "الجيدو" بسبب العقوبات الثقيلة التي تعرض من الهيئة الدولية بعد انسحابه من مواجه خصم صهيوني في أولمبياد طوكيو.  

"تصرفوا كمناضلين" 

في ذات السياق شبه الإعلامي عثمان لحياني قرار دريس مسعود بما فعله لاعبو فريق جبهة التحرير الوطني عندما قررت الثورة منع الرياضيين الجزائريين من اللعب والمنافسة مع أو ضد رياضيي المحتل الفرنسي، واستخلصت الرياضيين من الفرق والنوادي التي كانوا ينتمون إليها، لصالح القضية الوطنية.

وكتب على حسابه في "الفايسبوك": "عشية مونديال السويد 1958، كان أمام مصطفى زيتوني ورشيد مخلوفي وعدد من رفاقه من اللاعبين فائقي السمعة والصيت الرياضي فرصة ذهبية لا تعوض بالمعنى الرياضي والمادي، الشهرة والمال ومكاسب أخرى، لكن عدالة القضية الوطنية فرضت عليهم اتخاذ موقف المقاطعة الرياضية، ومنع المحتل من توظيف حدث رياضي لصالح موقفه السياسي، ذهب مونديال السويد إلى الأرشيف، بينما دخل مخلوفي ورفاقه التاريخ والمجد الثوري".

وحسب الكاتب فإنه "لا معنى للفوز أو الخسارة، في مقابلة أو منازلة رياضية خاسرة أخلاقيا، التطبيع الرياضي، مثله مثل التطبيع الثقافي تحت مسميات التسامح والتعايش والفن ليس له مذهب، ومثل التطبيع الاقتصادي تحت عنوان السوق الحرة والمال ليس جنسية، وهي في النهاية عناوين مضللة ومغالطة، تمثل مؤدي نحو التطبيع السياسي، هناك مقولة مهمة ومبدئية، تنسب لأحد قادة جبهة التحرير ، يوجه فيها المسؤولين الجزائريين في كيفية اتخاذ المواقف في ظروف معينة، 'إذا اختلطت عليكم الأمور، تصرفوا كمناضلين..'، مازالت هذه المقولة صالحة لاعتمادها قاعدة لتحديد المواقف في الظروف التي تلبتس فيها الخيارات والاختيارات".

الخسارة غير الهزيمة

من جهته، يرى الإعلامي نجيب بلحيمر أن الهدف الأول للكيان مند نشأته هو انتزاع الاعتراف من حكومات دول المنطقة على أمل انتزاع قبول الشعوب لاحقا.

وكتب في حسابه على "الفايسبوك": "قبول منافسة الإسرائيلي في ميدان الرياضة من أخطر أشكال الاعتراف والتطبيع لأنه يتم على المستوى الشعبي مباشرة، ومن السذاجة الاعتقاد أن الفوز على إسرائيلي في أي رياضة كانت يعتبر نصرا على الكيان، الرياضة ليست حربا مهما شحنت بالقضايا السياسية، بل كانت أداة لاحتواء العداء وتجاوز الخلافات السياسية (دبلوماسية البينغ بونغ بين الصين وأمريكا كأبرز مثال)، والخسارة في المنافسات الرياضية ليست هزيمة عسكرية أو اقتصادية".

وأضاف: "لهذا لن يتردد الإسرائيلي في التنازل عن الألقاب والميداليات لمنافسيه العرب إذا كان ذلك ثمنا للنصر الحقيقي الذي يمثله الاعتراف والتطبيع، ليس هناك ما يؤلم إسرائيل وداعميها أكثر من المقاطعة وعدم الاعتراف".

وما يؤكد أن قرار الانسحاب وما رافقه من تفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي هو أشد إيلاما على "الكيان" الذي يحاول تلميع صورته المهترئة عالميا، الهجوم الكبير على المصارع من طرف الحسابات الصهيونية التي طالبت بإنزال أقصى العقوبات عليه من الهيئات الرياضية الدولية بحجة "مخالفة القيم والقوانين الأولمبية"، كما تناولت عدة وسائل إعلام غربية الحدث مشككة في تبريرات دريس وملمحة إلى تعمده زيادة الوزان من أجل تجنب الخصم "الإسرائيلي"، كما ذهب البعض إلى اتهامه بـ"معاداة السامية" وهي التهمة التي يحاول مؤيدو الكيان إلصاقها بكل صوت مؤيد للقضية الفلسطينية منذ السابع أكتوبر الماضي.

في المقابل، ظهرت بعض الأصوات المعارضة لانسحاب الرياضيين الجزائريين من مواجهة نظرائهم من الكيان الصهيوني في كل مرة، وتضييع سنوات من التحضير للحدث الرياضي الأهم في العالم، وطالب هؤلاء بمواجهتهم والتغلب عليهم على البساط، خاصة أن المصارع دريس مسعود يمتلك إمكانيات كبيرة وكان قادرا على تجاوز خصمه بسهولة ولما لا إهداء الجزائر ميدالية، كما عبر البعض عن خشيته من تعرض صاحب الـ22 سنة لعقوبات ثقيلة قد تنهي مشواره الرياضي مبكرا على غرار ما حدث لمواطنه فتحي نورين.  

وكان الاتحاد الدولي لـ"الجيدو" قد قرر فتح تحقيق في قضية استبعاد البطل الجزائري، مسعود دريس، من أولمبياد باريس 2024، مشككا في نوايا دريس مسعود ومعتبرا أنه لم يلتزم بمبادئ اللعب النظيف والروح الأولمبية وعدم التمييز.

وأكد الاتحاد الدولي للعبة أنه بعد انتهاء الألعاب الأولمبية "سيتم إجراء مراجعة كاملة والتحقيق في الوضع، وسيتم اتخاذ إجراءات أخرى إذا لزم الأمر".