الجزائر في قلب "حوار" جيو- استراتيجي

38serv

+ -

تظهر زيارتي رئيس البرلمان الروسي فياتشيسلاف فيكتوروفيتش، ثم مسؤول قيادة القوات الأمريكية إفريقيا، الفريق مايكل لانغلي، إلى الجزائر العاصمة هذا الأسبوع من جديد، حضور الجزائر المحوري في الساحة الدولية، مسقطا أسس الخطاب العدمي المروّج لعزلة الجزائر دبلوماسيا.

وإلى جانب ما توفّره الزيارات للتشاور ومن فرص فعلية لتحيين المعلومات المتعلقة بوضع العلاقات الثنائية والمساعدة على توضيح المشهد لكل الأطراف وإزالة سوء الفهم، إن وجد، وإيصال الرسائل والطريقة الأفضل لتحقيق ذلك، هي الاتصال البشري المباشر.

ومن هذا المنطلق تعتبر هذه الزيارات بيانا آخر حسب المراقبين على تميّز شخصية الجزائر الدولية وحريتها في اختيار مع من تتحدث، وقدرة التفاعل مع الآخرين وفق ما تمليه عليها مصالحها الوطنية والتزاماتها الدولية.

وبحكم منصبه وديمومته فيه، يعد فياتشيسلاف فيكتوروفيتش، أحد رموز السلطة في موسكو، حيث يشغل هذا الموقع منذ سنوات، فيما يدير الجنرال لانغلي فعليا السياسة الأمريكية تجاه القارة الإفريقية التي تحوز في السنوات الأخيرة على اهتمام خاص في واشنطن نظرا للتحديات التي تمثلها بالنسبة لمصالحها الإستراتيجية.

وفي الأشهر الأخيرة، مرت العلاقات الجزائرية الروسية بتقلبات غلبتها حالة برود بسبب التحولات الجارية في موسكو والتي لم تحقق تطلعات الجانب الجزائري. وقد زادها تعقيدا السياسات الإقليمية الجديدة التي تتبعها وريثة الاتحاد السوفياتي سابقا، دون الأخذ بالحسبان مصالح شركائها التقليديين، ومنهم الجزائر، خشية فتح جبهة مواجهة بين القوى العظمى على حدودها.

وفي هذا السياق، كانت زيارة رئيس الغرفة السفلى من البرلمان الروسي، فرصة لتأكيد جودة العلاقات الثنائية الجزائرية الروسية، إذ سجّل في تصريحاته "بعد استقباله من قبل الرئيس تبون وجود مواقف متطابقة ومتقاربة بين الجزائر وموسكو فيما يخص مختلف المسائل الدولية والإقليمية"، وأن بلاده تعتبر الجزائر"دولة صديقة وشريكا استراتيجيا، وهي تحرص "على أن ترتقي علاقاتنا إلى مستويات أفضل". ووصف لقاءه مع الرئيس تبون بالمهم والمثمر، تم خلاله مناقشة العديد من المواضيع التي "من شأنها تطوير علاقاتنا التي تعود إلى عهد الاتحاد السوفييتي".

أما بالنسبة للعلاقات الجزائرية الأمريكية، فتواجه تحديات من نوع آخر كبرى، حيث تعمل البلدان على إعادة ترتيب الأولويات رغم التناقضات والخلافات القائمة التي تعزّز بسبب الموقف من الوضع في غزة. ويعتبر ملف محاربة الإرهاب والوضع الأمني في الساحل، من بين القضايا التي يجري الحوار والتشاور حولها بين الطرفين الجزائري والأمريكي، وتحرص واشنطن على الاستماع لوجهة النظر الجزائرية بحكم تجربتها في هذا المجال ومعرفتها بظروف منطقة الساحل وأيضا لعلاقاتها المتميزة مع دول الجوار وقدرتها على الوساطة مع مختلف الأطراف لما تملكه من قنوات اتصال مع فاعلين لهم حضور في الساحة المحلية.

وتشهد هذه العلاقات انتعاشا للمبادلات الاقتصادية وبعث الاستثمارات في قطاع المحروقات، الذي يفضّل الأمريكيون فيها بفضل ربحيته المضمونة ومعرفتهم العميقة بالسوق، فالفضل لهم في نهضته وزيادة مردوديته، وهي رغبة تتوافق مع حاجة الجزائر للخبرة الأمريكية المكتسبة والمتراكمة في تطويع الغاز الصخري.

ويشكّل التواصل مع قيادة "أفريكوم" وسيلة للتفاهم رغم القلق الجزائري العلني من الدور الذي تلعبه هذه القوة المكلفة باحتواء ومراقبة الأراضي الجزائرية عبر قواعد ومحطات عسكرية وللتجسس، منتشرة في بلدان الجوار وأخرى يجري العمل عليها، منها واحدة في ليبيا لتعويض خسارة قاعدة النيجر، ناهيك عن الإنزعاج من حجم المناورات التي تجريها سنويا في المنطقة والعمل الذي تلعبه في تطوير قدرات المغرب الأقصى عسكريا وأمنيا، مما يمثّل تحديا حقيقيا لأمنها لأنه قد يشجع "المتطرفين في المخزن الذين يستغلّون ضعف الملك والنظام الملكي"، لاحقا على القيام بمغامرة للهروب من مشاكله الداخلية، معززا بالدعم الذي توفره له جماعات الضغط المساندة للكيان الإسرائيلي. وفي أفق عودة دونالد ترامب المحتملة للبيت الأبيض، فالأمور قد تصبح أكثر تعقيدا.

وحاول الأمريكيون في أكثر من مرة طمأنة الجانب الجزائري، بل واسترضائه في خضمّ عملية استقطاب هائلة تستهدف الجزائر لإبعادها عن المعسكر الشرقي الجديد المشكّل أساسا من الزوج موسكو وبكين.

وجاءت في تدوينة للسفارة الأمريكية، أن زيارة الجنرال لانغلي "تؤكد أهمية الجزائر في المنطقة"، وأن الولايات المتحدة والجزائر ستواصلان العمل معا لتحقيق أمن إقليمي شامل وإيجاد حلول بناءة للمشاكل المطروحة"، و"أن الجزائر تعد بلدا رائدا ملتزما في مكافحة الإرهاب، حيث يعتبر تعاوننا الثنائي أساسي من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة".

ومن المنتظر أن تشهد الجبهة الدبلوماسية الجزائرية هدوء خلال فترة الانتخابات الرئاسية، إلا أنه من المرتقب أن تنتعش من جديد بعد ذلك، من خلال الزيارات المتّفق عليها مسبقا أو استقبال موفدين آخرين.