سبعة أسماء لمواقع في الصحراء الجزائرية "الهملة، المهلكة، الفشفاش، القطعة، التلاف، تمتانت، كلمة تارقية وتعني الموت والقروة، ويسمي التوارق وأبناء الصحراء الكبرى صحراء تينيري، أو مثلث بيرمودا الصحراء بـ "تمتانت" ومعناها الموت، الأسماء السبعة أطلقها سكان المنطقة على مواقع في الصحراء الجزائرية شهدت في العقود الماضية العشرات من حوادث التيه والموت عطشا في الصحراء، فما هي هذه المناطق؟
أخطر مكان يمكن أن يموت فيه إنسان بعد أربعة أيام فقط من التيه في الصحراء في الشتاء ويومين فقط في حالات نادرة جدا قد يستمر صمود الرجال لـ 3 أيام، في كثير من الأحيان في الصيف، هو مثلث بيرمودا الصحراء الكبرى أو صحراء تينيري الذي يسميه التوارق من أبناء المنطقة تمنانت أو الموت، لأن الشخص المفقود سيكون مصيره الموت هنا.
موتى ومفقودون
فقد أثر عدد كبير من الأشخاص في السنوات الثلاثين الأخيرة، ومصيرهم مجهول، بالرغم من أن الجميع يتفق على كونهم ماتوا عطشا دون العثور على جثثهم.
ففي شهر جوان 2020 عثر أشخاص يبحثون عن سيدة مفقودة في صحراء فنوغيل بأدرار على جثة شخص في هيكل عظمي. ويشمل المخطط الوطني للبحث والإنقاذ للتعامل مع مخاطر التيه في الصحراء، 11 موقعا ومنطقة خطيرة تم فيها تسجيل حوادث تيه قاتلة في الصحراء.
ويتداول التوارق أسطورة تقول أن أحد الملوك قبل 20 قرنا ماتت له ناقة في صحراء تينيري، وقد لعن هذه الصحراء، فتحولت إلى أحد أكبر الأماكن قتلا للبشر في العالم.
ففي عام 2014 قتل ما لا يقل عن 120 مهاجرا سريا في هذه المنطقة في حادثتي تيه جماعي في هذه الصحراء الموجودة في إقليم تشترك فيه الجزائر ضمن ولاية عين قزام والنيجر.
وفي المرتبة الثانية تأتي صحراء تنزروفت التي تقع ضمن إقليم ولايتي أدرار وبرج باجي مختار، وهي الصحراء التي تم فيها تسجيل أعلى معدل وفيات بفعل حوادث تيه في الصحراء، بشكل خاص في مناطق قريبة من طريق الوئام الرابط بين برج باجي مختارـ أدرار مرورا بـ رقان.
ويعود سبب ارتفاع عدد حالات الوفاة في هذا المكان الذي يسميه بعض سكان رقان المهلكة، لكون المنطقة ممر إجباري للمسافرين من أدرار إلى برج باجي مختار وصولا إلى الحدود مع مالي.
وفي المرتبة الثالثة، تأتي منطقة عرق إيقدي ويسميه السكان القروة الممتد على الحدود بين الجزائر ـ موريتانيا ومالي عبر إقليم ولاية برج باجي مختار، وعرق الشاش ويسميه السكان الفشفاش وأحيانا الشباشب الذي تشترك فيه دول الجزائر مالي، ويقع في إقليم ولايات أدرار، تيندوف وبرج باجي مختار.
وهذه صحراء شاسعة، يقول أبناء المنطقة، أنه من المستحيل اختراقها بالسيارات حتى أفضل أنواع عربات الدفع الرباعي بسبب ارتفاع الكثبان الرملية التي يصل بعضها لارتفاع 300 متر، وبعمق يصل إلى 150 مترا تحت مستوى الأرض وامتدادها على مسافة كبيرة.
ويقال أن بعض مواقع في عرق الشاش لم تطأها قدم إنسان منذ قرون، بل ربما منذ آلاف السنين، وتقدر كمية الرمال في هذا المكان بأكثر من 100 ألف مليار كلم مكعب.
ويقول خبراء الجيولوجيا أن الكمية يمكنها ردم نصف البحر الأبيض المتوسط، ولا يقل عرق إيقدي خطورة عن عرق الشاش وصحراء إيقدي التي تضم منطقة صخرية وصحراء رملية، وتم في المنطقة تسجيل عدد من الوفيات بسبب التيه في الصحراء.
وفي المرتبة الرابعة من حيث الخطورة، تأتي هضبة تادمايت، وهي صحراء قاحلة جدا وشاسعة تمتد بين 3 ولايات تبدأ من جنوب المنيعة وعين صالح، وصولا إلى شمال ولاية تمنراست، ويسميها بعض السكان المحليين "الهملة"، بسبب تشابه الأرض إلى حد التطابق، بالرغم من أن الأرض صخرية في هذا المكان.
ففي هذا المكان الذي سماه الفرنسيون أثناء الاستعمار المتاهة، لا يمكن للشخص غير الخبير في مسالك الصحراء اكتشاف الطريق الصحيح في حالة التيه.
وضمن الصحارى الأقل خطورة، تأتي صحراء هضبة تاسيلي وهي هضبة صخرية يستطيع فيها الانسان الصمود لعدة أيام بسبب توفر بعض الآبار السطحية، والمخابئ التي تحمي من الشمس. لكن العرق الغربي الكبير الموجود شمال ولايتي تميمون وبشار، والذي يقع جزء منه بولاية المنيعة يعد من أخطر الأماكن.
وبالرغم من أن العرق الغربي الكبير لم يسجل أي حوادث وفاة بسبب التيه منذ 17 سنة كاملة، لكنه مكان موحش بالغ الخطورة يصل ارتفاع الكثبان الرملية فيه إلى 250 مترا.
وتؤكد الدراسات الجيولوجية أن العرق الغربي الكبير هو أكبر تهديد للشمال الجزائري، بسبب زحف الرمال بعد وصول كثبان العرق الغربي الكبير الرملية إلى ولايات مثل النعامة، البيض والأغواط. وقد دفع زحف العرق الغربي الكبير إلى شمال الدولة الجزائرية لاتخاذ قرار بإنشاء السد الأخضر.
وفي الجانب الشرقي للجزائر، يوجد العرق الشرقي الكبير الذي يمتد من جنوب شرق تونس إلى غاية ولاية ورقلة، مرورا بولاية الوادي، وهو ثاني أكبر منطقة كثبان رملية في الجزائر، بعد عرق الشاش، وترتفع الكثبان الرملية في هذا المكان إلى 250 مترا.
ومن بين أحد أخطر المواقع التي مات فيها أشخاص تائهون هي صحراء تينيري، التي يوجد جزء بسيط منها في إقليم ولايتي إليزي وجانت وتمتد إلى داخل ليبيا، وتعد منطقة جرداء، وصعبة جدا وفقيرة في الماء.
الصحراء تعرف أبناءها
في عين صالح يتداول الناس حكمة قديمة تقول "الأرض ما تاكلش أولادها"، وهو مثل مقتبس من مثل تارقي قديم بنفس المعنى. والمقصود به أن الصحراء رحيمة بأولادها، أي أن الصحراء لا تقتل أبناءها عطشا.
وقد لا يصدق هذا المثال اليوم لأسباب عدة، أهمها أن سكان الصحراء الكبرى في الماضي كانوا من البدو الرحل، العارفين بطرقها ومسالكها وممراتها، لكن الوضع تغير اليوم بشكل كبير مع إقامة أكثر من 99 بالمائة من سكان الصحراء الكبرى في المدن.
والمثير في حوادث تيه وموت الناس في الصحراء أن أكثر من 90 بالمائة من الضحايا من أبناء المنطقة الذين لديهم خبرة كبيرة، ويعرفون تماما خطورة التنقل عبر الصحراء دون أخذ الاحتياطات الضرورية.
والفئة الوحيدة التي لديها "مناعة" من التيه والموت في الصحراء، هي فئة الخارجين عن القانون من المهربين الذين لديهم قدرة كبيرة على الحياة والبقاء على قيد الحياة في الصحراء، وهذا لأسباب عدة أهمها على الإطلاق معرفة هذه الفئة بمسالك الصحراء السرية، الخبرة الواسعة والكبيرة في الحياة في الصحراء بعيدا عن الأنظار، والاحتياطات التي يتخذها المهربون والمنقبون عن الذهب والمنقبون عن النيازك قبل التوجه إلى عمق الصحراء.
وهنا نعود للمثل القديم لتأكيده "الأرض لا تأكل أولادها" بشرط أن يعتبر الأبناء الأرض أمهم، وأن يعرفوها تماما وبشكل جيد". في بعض المواقع في الصحراء الكبرى، يمكن أن يموت الإنسان بعد التيه في الصحراء بعد أقل من 48 ساعة في الصيف في حالة عدم توفر كمية من الماء معه، بسبب الحرارة التي تصل على 50 درجة، وحاجة الإنسان لكميات كبيرة من الماء في ساعات النهار الطويلة صيفا.
ورغم أن الدراسات الطبية تؤكد أن الانسان يمكنه البقاء حيا دون ماء لـ مدة 72 ساعة، إلا أن الصحراء الكبرى لا تعرف بهذه القاعدة الطبية. فالحرارة الشديدة التي تصل إلى 50 درجة مئوية، واستمرار الحرارة الشديدة لحوالي 11 إلى 12 ساعة من أصل 24 ساعة يؤدي إلى فقدان كمية كبيرة من الماء من جسم الانسان.
وهذا يعني أن الكائن البشري لا يمكنه الصمود لأكثر من 48 ساعة دون ماء في الصيف، ويرفع استهلاك الماء في حالة توفره. ففي بعض هذه المواقع يحتاج الانسان على الأقل لـ 3 لتر ماء يوميا للبقاء حيا، ولكن الأشخاص الذين جربوا التيه في الصحراء يقولون أن التائه يصاب بحالة رعب تجعله يستهلك كل أو أغلب الماء الموجود في أول 24 ساعة، وينتهي به الأمر بالموت عطشا.
مخطط البحث والإنقاذ للأشخاص التائهين في الصحراء
تعتمد قيادة الجيش الوطني الشعبي، بالتنسيق مع الدرك الوطني، منذ حوالي تسع سنوات مخطط البحث والإنقاذ للأشخاص التائهين في الصحراء.
وقد سمح هذا المخطط بإنقاذ حياة عشرات الأشخاص، بعد فترات بحث تراوحت بين 12 و 72 ساعة من البحث، يبدأ بشكل رسمي العمل بالمخطط الأمني الخاص بالتدخل لإنقاذ الأشخاص التائهين في الصحراء في بداية ماي من كل سنة، وهو المخطط الذي يشمل النواحي العسكرية الرابعة، السادسة والثالثة، ويتواصل إلى غاية بداية نوفمبر من كل سنة.
ويتضمن مجموعة من إجراءات اليقظة والوقاية من حوادث التيه في الصحراء، ويغطي أغلب مساحة الجزائر، ويشمل كل الولايات الواقعة في إقليم ثلاث نواحي عسكرية.
وطبقا للمعلومات المتوفرة، فإن إجراءات التدخل لإنقاذ الأشخاص التائهين في الصحراء، تبقى سارية المفعول طيلة السنة، إلا أن العمل بمخطط الطوارئ يبدأ في شهر ماي من كل سنة بسبب ارتفاع درجة الحرارة في ولايات الجنوب الجزائري.
وبينما تتضمن تدابير الوقاية من حوادث التيه في الصحراء توعية مستعملي الطرق بضرورة حمل كميات كبيرة من الماء معهم، وتجنب التنقل عبر الطرق غير المعبدة إلا للضرورة القصوى، وعدم اصطحاب الأطفال أثناء التنقل عبر المسالك الفرعية والطرق غير المعبدة.
ويؤكد عناصر الدرك الوطني في الحواجز الثابتة والمتنقلة على السائقين بضرورة عدم التوغل في الصحراء، وتتضمن الإجراءات حظر تنقل الأطفال الصغار عبر الطرق الصحراوية التي تزيد مسافتها عن 200 كلم، ويسري إجراء الحظر أيضا على الأشخاص المسنين والنساء الحوامل.