"الأوتو ستوب".. باب خير لا يخلو من مخاطر

38serv

+ -

يلجأ الكثير من الأشخاص، خاصة في ظل نقص وسائل النقل، إلى "أوتو ستوب"، أي طلب المساعدة من سائق لِيُقِلّهم إلى وجهتهم، لكن قد تُخفي هذه الرحلة المجانية مخاطر جسيمة، قد تُودي بك إلى السجن أو حتى الموت.

 في رحلة عبر الزمن، نعود إلى زمن مضى، حيث كانت وسيلة "الأوتو ستوب" أو "التنقل عبر توقيف المركبات" شريان حياة يربط بين مختلف المناطق، خاصة تلك النائية التي تخلو من وسائل النقل العام، غير أنها ـ وإن وجدت في بعض المناطق ـ باتت تشكل خطرا على سائق المركبة وخطرا على من يوقفها.

رحلة مجانية حفرت ذكريات جميلة

هي رحلة مجانية حفرت ذكريات جميلة في ذاكرة من عايشوها قديما، ورسخت قيما اجتماعية نبيلة لا تزال تذكر حتى يومنا هذا.

فقد كان "الأوتو ستوب" أكثر من مجرد وسيلة نقل، بل كان رحلة تواصل وتعارف بين أفراد من مختلف المجتمعات. ففي ظل انتظار فرصة ركوب مركبة عابرة، كانت تتلاقى الأحاديث وتتبادل الخبرات، وتُنسج علاقات إنسانية مميزة.

لم يكن "الأوتو ستوب" مقتصرا على فئة دون أخرى، خاصة خارج المدن الكبرى، بل كان ملاذاً للجميع من بسطاء الناس إلى طلاب العلم، موظفين، وحتى عائلات بأكملها.

ففي زمن كانت فيه إمكانيات التنقل محدودة، خاصة في المناطق النائية، شكلت هذه الوسيلة متنفسا للكثيرين، وفرصة لكسر حاجز الروتين والتعرف على ثقافات مختلفة.

مع مرور الوقت، تطورت وسائل النقل، وازدادت سيارات الأجرة والحافلات انتشارا، مما أدى إلى تراجع "الأوتو ستوب".

إلا أن ذكرياته لا تزال حاضرةً في وجدان الكثيرين، حاملةً معها قيماً اجتماعية نبيلة مثل التعاون والتواصل والبساطة، إذ لم تكن هناك تذاكر تباع ولا أموال تدفع، بل كان السائد هو التعامل بكرم وعفوية، فكان السائقون يقدمون المساعدة دون توقع مقابل، والركاب بدورهم كانوا يظهرون الامتنان والتقدير.

وكان يكفي الوقوف لدقائق على ناصية الطريق، ثم الإشارة باليد للمركبات حتى تتوقف ومن ثمة التنقل بواسطتها دون مقابل.

"الأوتو ستوب" تتحول إلى ظاهرة خطيرة

اليوم أصبح "الأوتو ستوب" خطرا سواء على السائق الذي قد يتم الاستيلاء على مركبته من طرف قطاع طرق، من جهة ومن جهة أخرى قد يكون خطرا على من أوقف السيارة، خاصة إذا كان من فئة الأطفال الصغار الذين يقطنون المناطق النائية البعيدة عن مدارسهم.

فمع مرور الوقت، تغيرت الظروف وتطورت وسائل النقل، وأصبح "الأوتو ستوب" ظاهرة خطيرة تُهدد سلامة السائقين والركاب.

فكثيرا ما وقع السائقون ضحية سذاجتهم وطيبتهم إذ حدثت الكثير من وقائع السرقة والاعتداء، التي سجلتها مصالح الأمن والدرك على مر السنوات الماضية، حيث ازدادت حالات الاستيلاء على المركبات من قبل قطاع الطرق، مما يشكل خطرا كبيرا على سلامة السائقين.

كما أنه وفي حال وقوع أي حادث أو جريمة أثناء عملية "الأوتو ستوب"، قد يتحمل السائق مسؤولية قانونية هو في غنى عنها.

من جهة أخرى قد يتعرض الركاب، خاصة الأطفال، للاستغلال من قبل أشخاص ذوي نوايا سيئة، كالاعتداءات الجنسية أو حتى الخطف من طرف تجار الأعضاء. كما قد يتعرض الركاب لمخاطر الحوادث المرورية، خاصة على الطرقات السريعة.

 قصص من وراء القضبان

وكثيرا ما كانت "الخبر" شاهدة بمجالس القضاء على قصص في هذا السياق، قصص خرجت من وراء قضبان السجون راح ضحيتها سائقون سذج، مثل سمير وهو موظف بسيط بأحد مركز البريد، وقد توقف لمساعدة شاب على طريق سريع، ظنا منه أنه طالب جامعي بحاجة إلى مساعدة، ليتفاجأ بوجود كمية من حبوب الهلوسة في سيارته، ليتم اتهامه بترويج المخدرات، بعد تفيش روتيني عبر حاجز للدرك الوطني.

ولحسن حظه، اعترف الشاب بالحقيقة في النهاية، لكن سمير مر بتجربة قاسية كادت تودي به إلى السجن، ليقرر عدم التوقف لأي أحد حتى وإن كان مرميا على حافة الطريق.

عمار لم يكن محظوظا وهو ميكانيكي ورب أسرة من 4 أطفال ساعد رجلا كان يبدو منهكا على حافة الطريق ويحمل حقائب تبدو ثقيلة. وبسبب طيبته ورقة قلبه أقله معه في سيارته، ليكتشف لاحقاً أنه ينقل معه كمية من المخدرات، وقد تم سجنه هو والشاب لمدة سنتين، بعد أن تم توقيفهما في حاجز أمني وإخضاع السيارة للتفتيش أين لم يعترف صاحب المخدرات أن عمار لا علاقة له بالأمر وأنه كان مجرد شخص عابر أوقعته طيبته في هذا المأزق.

أما ساعد وهو شيخ في الـ 70 من العمر فقد قام بنقل شابين من مخرج مدينة الخروب بقسنطينة إلى مدينة عين امليلة بولاية أم البواقي، ظنا منه أنهما مسافرين مثله، إلى تلك الوجهة، إلا أن الشابان خبّأ المخدرات تحت مقعده، وعند تفتيش سيارته، تم سجنه معهما لمدة 5 سنوات، وقد توفي فغي السجن قبل انقضاء المدة بسبب حسرته على نفسه، حسب ما رواه لنا نجله.

وفي حكاية مماثلة لقي شيخ آخر حتفه على يد عصابة بعد أن ساعدهم في إيصالهم إلى وجهتهم.

ولم تكن الحكايات التي استقيناها من عديد الضحايا تدور حول المخدرات أو أن أبطالها شباب، بل هناك حكايات أخرى حاكتها سيدات وفتيات مع عصابات سرقة المركبات، إذ كثيرا ما أوقفت سيدات منقبات سوّاقا على قارعة الطريق لطلب المساعدة أو نقلها وأطفال معها من مكان لآخر، لتطلب منه التوقف في نقطة ما تكون قد اتفقت عليها مع مجموعتها الإجرامية، ليتم سلب السائق مركبته وما يملك من النقود، ومثل هذه القصص تعج بها أروقة المحاكم.

نصائح لمن يفكر بـ "الأوتو ستوب"

ويطالب العقلاء من الناس أو المختصون الاجتماعون وكذا رجال الأمن من المواطنين على اختلاف مشاربهم أن لا يقلّلوا من مخاطر هذه الرحلات، كونهم يعرضون أنفسهم للعديد من المخاطر، من سرقة سيارتهم إلى الاعتداء الجسدي أو حتى القتل، إذ يستغلّ بعض المجرمين رحمة الناس لتنفيذ جرائمهم.

من جهة أخرى، على من يوقفون السيارات عدم مشاركة معلوماتهم الشخصية مع من يقلونهم، خاصة الأطفال، فلا يجب إعلام السائق عن عنوان المنزل أو العمل أو أي معلومات شخصية أخرى، قد يتم استغلالها لإيذائك أو إيذاء أهلك.

ويدعو هؤلاء إلى ضرورة الحرص على وجود شهود حول من يستقلون هذا النوع من السيارات، وأن يحاولوا أن تكون الرحلة في وجود أشخاص آخرين، مثل ركاب آخرين في الحافلة أو أشخاص متواجدين في محطة الوقود.

وكنصيحة ذهبية من هؤلاء "ثق بحدسك إذا شعرت بعدم الارتياح، لا تتردد في رفض الرحلة، وابحث عن بدائل، فقد تكون وسائل النقل العام أو سيارات الأجرة خيارات أكثر أمانا، حتى وإن كانت مكلفة".

الظاهرة باتت مسؤولية جماعية

ولدى طرح هذا الموضوع عبر منصات التفاعل الاجتماعي، أجمع السواد الأعظم من الناس أن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب مسؤولية جماعية من قبل الأفراد، وكذا التوعية بمخاطر "الأوتو ستوب"، استخدام وسائل النقل الآمنة، والإبلاغ عن أي سلوك مشبوه.

وقد شددوا على عمل الجهات الأمنية، التي يستوجب عليها تكثيف الدوريات الأمنية على الطرقات، والتعامل بحزم مع حالات السرقة والاعتداء التي تتم من خلال هذه الظاهرة. كما طالبوا السلطات بتحسين خدمات النقل العام في المناطق النائية، ودعم برامج النقل المدرسي.

"وأكد هؤلاء أن الأوتو ستوب" ظاهرة لم تعد آمنة في ظل الظروف الحالية، لذلك لا بد من الحرص على سلامة أنفسنا وأبنائنا باستخدام وسائل النقل الآمنة، والمساهمة في خلق مجتمع أكثر أمانا.