"مزدوجو الجنسية قطعوا الطريق أمام اليمين المتطرف"

+ -

أكد عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيز، أن دعوته الناخبين من مزدوجي الجنسية، وخاصة الجالية المسلمة، للتوجه لصناديق الاقتراع في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية الفرنسية، كان لأجل قطع الطريق أمام اليمين المتطرف وأجندته التمييزية، وقد كان لدورهم تأثير كبير في تغيير موازين القوى، وكان تصويتهم حاسما في منع السابحين في فلك لوبانوبارديلا من تحقيق الأغلبية.

وفي جزئية أخرى في هذا الحوار الذي خصّ به "الخبر"، قال الأستاذ حفيز بأن نتائج الانتخابات يمكن أن تسهم في تحسين العلاقات بين الجزائر وفرنسا، مضيفا أن وجود حكومة تدعم الحوار والتفاهم المتبادل "يمكن أن يساعد في حل القضايا العالقة وتعزيز التعاون في مختلف المجالات"، مردفا أنه من المهم أن تستغل الحكومتان الفرصة لتعزيز الشراكة والعمل معاً من أجل تحقيق مصالح البلدين "والجزائر، من جهتها، أبدت مرونة في ذلك، ولا أعتقد أن ثمة ما يعرقل هذا التعاون، فقد أبدى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في أكثر من مناسبة، استعداده لحل جميع القضايا العالقة بين البلدين، لاسيما ما تعلق منها بالذاكرة".

وفي رده على إمكانية الاعتراف بدولة فلسطين، مثلما فعلته دول غربية في الأسابيع الماضية، قال عميد مسجد باريس بأنه ثمة أملا يلوح في الأفق، فالحكومة الجديدة بدعمها القوي لحقوق الأقليات والقضايا العادلة، قد تتخذ خطوات جريئة في هذا المسار، وسيكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة والسلام في المنطقة، ونأمل أن يكون هذا ضمن أولويات الحكومة الجديدة".

 

انتهت الانتخابات التشريعية في فرنسا، والنتائج بعد الدور الثاني شكّلت مفاجأة، وأثمرت عن "كوكتيل" سياسي متعدد الأذواق والألوان، بعد أسبوع من الشحن والاستقطاب بين القوى السياسية المختلفة. كيف تقرؤون "الريمونتادا" السياسية التي حدثت في ظرف أسبوع فقط، خاصة أنكمدعوتم مزدوجي الجنسية خاصة إلى ضرورة التوجه لصناديق الاقتراع في الدور الثاني لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف وبرنامجه؟ وهل لهؤلاء دور في قلب موازين القوى ونتائج التشريعيات؟

الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا أظهرت مدى تعقيد وتنوع المشهد السياسي في البلاد،وما رأيناه خلال الأسبوع الأخير قبل الجولة الثانية، كان أشبه بعودة سياسية غير متوقعة، هذا التحول السريع في المزاج السياسي يعكس تحرك الناخبين بشكل قوي ضد اليمين المتطرف وأجندته التمييزية. لقد عقدنا ندوة صِحفية، دعونا خلالها مزدوجي الجنسية، وخاصةً الجالية المسلمة، إلى المشاركة الفعالة في هذه الانتخابات، لأننا كنا ندرك أهمية أصواتهم في تشكيل المستقبل السياسي لفرنسا.

مزدوجو الجنسية، ومعهم العديد من المواطنين الفرنسيين، ومن المهاجرين من جنسيات شتى، الذين يشعرون بالقلق من سياسات اليمين المتطرف، استجابوا لدعوتنا وتوجهوا بكثافة إلى صناديق الاقتراع. لقد كان لدورهم تأثير كبير في تغيير موازين القوى، حيث أن تصويتهم كان حاسما في منع اليمين المتطرف من تحقيق الأغلبية، وتصدر نتائج الجولة الثانية. وقد أظهرت هذه المشاركة الفعالة قوة وتأثير هذه الفئة من المجتمع في تشكيل النتائج النهائية، وأكدت على أن كل صوت يمكن أن يحدث فرقاً، وهذا ما حدث بالفعل وبدا جليا من خلال النتائج النهائية.

 

اليمين المتطرف الذي كان قبل أسبوع فقط من الدور الثاني يفكر في كيفية ضمان الأغلبية المطلقة لتشكيل حكومته وتجسيد برنامجه القائم على "الأفضلية الوطنية" تستثني المهاجرين من بعض الحقوق، يجد نفسه خارج حسابات الحكومة المقبلة بعد أن حل ثالثا. كيف تتصورون تعامل هذا التيار مع مستجدات الخارطة السياسية في فرنسا؟ وهل سيكون له تأثير على تبني بعض القرارات المتعلقة بيوميات الفرنسي؟

اليمين المتطرف الذي كان يأمل في تحقيق الأغلبية المطلقة، يجد نفسه الآن في وضع معقد، بعد أن حل في المرتبة الثالثة. هذا الوضع الجديد يتطلب منهم إعادة تقييم استراتيجياتهم، والتفكير في كيفية التعامل مع الواقع السياسي الجديد. ومن المتوقع أن يحاول هذا التيار التأثير على القرارات والسياسات، من خلال المشاركة النشطة في البرلمان ومحاولة تشكيل تحالفات مع الأحزاب الأخرى. ولكن تأثيرهم سيكون محدوداً مقارنة بما كانوا يطمحون إليه.

من المهم أن نكون مستعدين لمواجهة أي محاولات من قبلهم لفرض أجندتهم التمييزية، علينا أن نواصل العمل على تعزيز قيم التعايش المشترك والتسامح، وأن تحرص الجبهة الشعبية التي ستشكل الحكومة على أن تكون سياساتها شاملة وتعكس تنوع المجتمع الفرنسي، وهذا ما دعت إليه خلال حملتها الانتخابية، وهو ما جعلنا ندعمها. أما تأثير اليمين المتطرف، فقد يظهر في بعض القضايا اليومية، ولكن بمراقبة مستمرة وضغط من القوى المعتدلة، يمكن الحد من تأثيرهم السلبي.

 

تيار اليسار الذي يدعم حقوق الأقليات ويناصر أيضا القضية الفلسطينية، وتعرض قاداته إلى سهام أطياف سياسية وإيديولوجية ومالية، أصبح الآن القوة السياسية الأولى في البلاد، هل ترونه، فما الذي حدث بالضبط؟ وكيف وصلنا إلى هذه النقطة المفاجئة وغير المتوقعة؟

أولا، صعود تيار اليسار إلى موقع القوة السياسية الأولى في البلاد هو نتيجة لعدة عوامل دفعت إلى ذلك. لقد كان هناك استياء واضح من السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، ما دفع العديد من الناخبين للبحث عن بدائل تعبر عن طموحاتهم ومخاوفهم. تيار اليسار، وبدعمه القوي لحقوق الأقليات ومناصرته للقضية الفلسطينية، تمكن من استقطاب شريحة كبيرة من الناخبين الذين يشعرون بالاضطهاد والإقصاء.

ثانياً، الوحدة والتكاتف بين قادة اليسار لعبت دوراً كبيراً في تعزيز موقفهم السياسي،وبالرغم من الانتقادات والهجمات التي تعرضوا لها، سواء من الأطياف السياسية الأخرى، أو من مراكز القوى المالية، إلا أنهم استطاعوا توحيد صفوفهم وتقديم رؤية متماسكة وواضحة للمستقبل، هذا النهج جعلهم يظهرون كبديل قوي وموثوق به في نظر شريحة واسعة من الناخبين.

وأخيراً، التواصل الفعّال مع الجمهور واهتمامهم بالقضايا اليومية للمواطنين ساهم في تعزيز شعبيتهم. لقد تمكنوا فعلا من تحويل التحديات إلى فرص واستغلال الانتقادات لتعزيز موقفهم، بدلاً من الخضوع لتأثيرها السلبي على مسارهم السياسي، هذا النجاح يعكس قدرة اليسار على التكيف والاستجابة لتطلعات الشعب بشكل فعّال.

 

كانت الجالية الجزائرية والمغاربية عموما بفرنسا، في مرمى اليمين المتطرف، فهل عدم فوز التيار المتشدد بالأغلبية المطلقة في الجولة الثانية أمام صعود الجبهة الشعبية الجديدة، أبعد الجاليات عن قوانين تعسفية كانت متوقعة، وجعلها المستفيد الوحيد في التشريعيات التي "لم يفز فيها أحد"، على حد تعبير الرئيس الفرنسي ماكرون؟

نعم بالفعل، عدم فوز التيار المتطرف بالأغلبية المطلقة في الجولة الثانية كان طوق نجاة للجاليات الجزائرية والمغاربية وللمهاجرين وكل أجنبي في فرنسا، من سياسات تعسفية كانت محتملة. اليمين المتطرف كان يروج لسياسات تمييزية خطيرة تستهدف هذه الجاليات بشكل مباشر، وكان نجاحه في الانتخابات سيفضي إلى تطبيق قوانين إقصائية وغير عادلة، تؤثر على حياة هذه الفئة من المواطنين وتسلبهم حقوقهم المدنية.

صعود الجبهة الشعبية الجديدة شكّل حاجزاً قوياً ضد هذه الأجندات المتطرفة، الجاليات المغاربية التي كانت تشعر بتهديد حقيقي من صعود اليمين المتطرف، أصبحت الآن في مأمن بفضل هذه النتائج. ويمكن القول إن هذه الجاليات كانت المستفيد من هذه الانتخابات، نسبيا، حتى لا نبالغ كثيرا في الطرح، باعتبار أنّ المكون الرئيسي للمهاجرين أو للمواطنين الفرنسيين من أصول أجنبية هو هذه الفئة، حيث تم تجنب تنفيذ سياسات تمييزية كانت ستؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية ومستقبلهم.

لقد أظهرت النتائج أهمية المشاركة السياسية الفعالة والتضامن بين مختلف فئات المجتمع لمواجهة التحديات والتهديدات، ونحن في مسجد باريس الكبير مستمرون في هذا النهج، نعمل دوما على تعزيز حقوق الجميع وضمان التعايش السلمي والتسامح في المجتمع الفرنسي، وهذا هو دورنا الذي نعده واجبا أخلاقيا قبل كل شيء.

 

الجبهة الشعبية الجديدة لم تتمكن من حصد الأصوات الكافية لفرض الأغلبية المطلقة داخل البرلمان للوصول إلى السلطة، دون مواجهة أي تحديات محتملة، وفي هذه الأثناء، تحوم تساؤلات وتطرح فرضيات حول الرقم 1 في قصر ماتينيون. فهل تواجه البلاد انسدادا مؤسساتيا في المستقبل القريب؟

عدم حصول الجبهة الشعبية على الأغلبية المطلقة يعني أن السياسة الفرنسية ستتعثر نوعا ما، وقد تواجه بعض التحديات في تشكيل الحكومة واتخاذ القرارات المناسبة في وقت قياسي. هذا الوضع يمكن أن يؤدي فعلاإلى انسداد مؤسساتي، إذا لم يتمكن صناع القرار من التوصل إلى توافقات وحلول وسط.

وباعتقادي أن ما زاد الأمر تعقيدا هو تزامن هذا الوضع مع حدث رياضي عالمي هام، تمثل في الألعاب الأولمبية التي تحتضنها فرنسا بحر هذا الشهر، وبالتالي الوضع الراهن يتطلب استقرارا في البلاد أكثر من أي وقت مضى، حتى تمرّ هذه المناسبة في جو سياسي واجتماعي موائم، بعيدا عن الاحتقان والفوضى. وتزامنا مع ذلك، يجب أن تكون هناك جهود متواصلة للحوار والتفاوض بين مختلف القوى السياسية لضمان استقرار النظام السياسي، وتجنب أي شلل مؤسساتي.

باعتقادي أن التحدي الآن يكمن في قدرة السياسيين على تجاوز خلافاتهم، والعمل من أجل المصلحة العامة. لذا، سيكون التركيز على التعاون والشراكة بين الأحزاب لضمان اتخاذ القرارات المناسبة التي تعكس مصالح جميع فئات المجتمع، وهذا ما سيعكس مدى التزام الجبهة الشعبية بعهودها التي قطعتها على نفسها، ومدى أحقيتها في إدارة الشأن العام للبلاد.

أكيد أن الاستقرار السياسي هو عامل هام لضمان استمرار النمو والتطور الاقتصادي والتوازن الاجتماعي، لذلك سيكون لزاما على القوى السياسية انتهاج الحوار السياسي البنّاء، وإبداء إرادة حقيقية للعمل المشترك بين جميع الأطراف.

 

مراقبون في فرنسا يقولون إن مصدر القرار انتقل من الإليزيه إلى البرلمان بعد النتائج الأخيرة للانتخابات. ما تعليقكم؟

هذا التحول في ميزان القوى السياسية يعكس تعزيز دور البرلمان في صنع القرار،وانتقال مصدر القرار من الإليزيه إلى البرلمان يعزز الديمقراطية ويجعل القرارات أكثر تمثيلاً لمصالح الشعب. البرلمان، الآن، يضم مجموعة متنوعة من الآراء والمواقف، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نقاشات أكثر شمولاً وتوازنًا.

برأيي، فإن الوضع الجديد يتطلب من البرلمان تحمل مسؤولية كبيرة والعمل بجدية لضمان استقرار البلاد، وتحقيق مصالح المواطنين جميعا دون استثناء. ويمكن أن يكون لهذا التحول تأثير إيجابي، إذا تم استغلاله لتعزيز التشاور والتشارك في صنع القرار. نحن في فترة حاسمة، وبدورنا، نعمل على استغلال هذا التغيير لتعزيز الحقوق أكثر، ولتكون القرارات التي تُتخذ تعكس حقًا إرادة مختلف فئات المواطنين وتطلعاتهم، وهذا يحتم علينا المطالبة بمزيد من الحقوق للمسلمين وأبنائهم، لضمان مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.

 

هل تعتقدون أن تسيير الملفات المشتركة بين الجزائر وفرنسا، سيكون بشكل أفضل إذا انعكست نتائج الانتخابات على الطاقم الحكومي الجديد المرتقب؟

نعم، أعتقد أن نتائج الانتخابات يمكن أن تسهم في تحسين العلاقات بين الجزائر وفرنسا، إذا انعكست بشكل إيجابي على الطاقم الحكومي الجديد.وجود حكومة تدعم الحوار والتفاهم المتبادل يمكن أن يساعد في حل القضايا العالقة، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات.

تسيير الملفات المشتركة يتطلب تعاونًا وثيقًا وفهمًا مشتركًا بين الحكومتين،وإذا كانت الحكومة الجديدة في فرنسا تعكس تنوع المجتمع الفرنسي وتدعم حقوق الأقليات والتفاهم الدولي، فإن ذلك سيمكنها من التعامل بفعالية مع القضايا المشتركة بين البلدين.

من المهم أن تستغل الحكومتان هذه الفرصة لتعزيز الشراكة، والعمل معاً من أجل تحقيق مصالح البلدين، كما أن الحوار المستمر والتعاون الفعال هما المفتاح لتحقيق تقدم في الملفات المشتركة وتحسين العلاقات الثنائية. والجزائر من جهتها، أبدت مرونة في ذلك، ولا أعتقد أن ثمة ما يعرقل هذا التعاون. فقد أبدى رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في أكثر من مناسبة، استعداده لحل جميع القضايا العالقة بين البلدين، لاسيما ما تعلق منها بالذاكرة، والرئيس الفرنسي، من جهته، لا يمانع في ذلك. يبقى الأمر متوفقا على دور الحكومة الجديدة في فرنسا، وهذا ما ستسفر عليه الأيام المقبلة.

 

هل يمكن توقع الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع الحكومة الجديدة، مثلما فعلت دول غربية أخرى؟

ثمة أمل كبير يلوح في الأفق،فالحكومة الجديدة بدعمها القوي لحقوق الأقليات والقضايا العادلة، قد تتخذ خطوات جريئة في هذا المسار. الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيكون خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة والسلام في المنطقة، ونأمل أن يكون هذا ضمن أولويات الحكومة الجديدة، لاسيما في ظل الظروف الحالية التي نعيشها.

إذا تمكنت الحكومة من التوفيق بين مختلف التحديات الداخلية والخارجية، فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد يصبح حقيقة واقعة. هذه الخطوة ستكون تعبيراً عن التزام فرنسا بالقيم الإنسانية والعدالة الدولية، وستعزز من موقفها كداعم للسلام في الشرق الأوسط.

علينا أن نعمل جميعاً على دعم هذه الجهود والتأكيد على أهمية حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويحقق السلام الدائم في المنطقة، وموقف مسجد باريس الكبير واضح في السعي إلى تحقيق ذلك.