ما إن يحل موسم الاصطياف حتى ينتعش نشاط الشباب على مستوى موانئ الصيد الصغيرة، الذين يعرضون على الزبائن خدماتهم المتمثلة في الركوب على متن قوارب صغيرة للتنزه في عرض البحر، غير أن نشاطهم لحد الساعة غير مقنن ولا يخضع لمعايير السلامة ولا تضبطه قوانين معينة، بل جلهم يشتغلون بعيدا عن أعين الرقابة، مثلهم مثل "الحراقة" الذين ينقلون الشباب إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط.
تحولت قوارب النزهة مع دخول موسم الاصطياف إلى محل اتهام بسبب مزاحمتها لرواد الشواطئ وقيادتها في أوساط المصطافين في مناطق السباحة، بهدف الكسب، فالكثير من الشباب الحاصلين على رخص قارب نزهة وحتى المالكين لرخصة "نزهة وصيد" لا يفوّتون موسم الاصطياف للتقرب من الشواطئ لنقل العائلات في جولات سياحية تنتهي البعض منها بانقلاب القارب وإصابة راكبيه بجروح، وأخرى بمآسي تترك آثارها لدى العائلات مدى الحياة.
وتشهد عديد الشواطئ المسموحة للسباحة وحتى تلك غير المحروسة، مزاحمة القوارب للمصطافين في المساحات المخصصة للسباحة، كما هو الحال بشواطئ ولاية تيبازة، بجاية، عنابة وغيرها من شواطئ الولايات الساحلية للوطن رغم التنديد المستمر من طرف المصطافين بما يحدث، والحوادث التي يسجلها موسم الاصطياف كل عام كانت وراء فقدان أطفال وشباب لحياتهم.
حوادث بالجملة
وشهدت سواحل ولاية وهران، السبت الماضي، حادث انقلاب قارب نزهة وتدخلت مصالح الحماية المدنية، على الساعة الخامسة مساء و44 دقيقة، من نفس اليوم من أجل إنقاذ 8 أشخاص كانوا على متنه على مستوى المنطقة الصخرية المسماة "كاب كربون" ببلدية ودائرة أرزيو. وأشارت مصالح الحماية المدنية إلى أنه تم إنقاذ المعنيين وإسعافهم بعدما "وجدوا في حالة صدمة".
ويعتبر هذا الحادث الثاني من نوعه خلال نفس اليوم، حيث تم إنقاذ 15 شخصا بينهم أطفال، على الساعة 12 و53 دقيقة، إثر انقلاب قارب نزهة "بشاطئ مطربة" ببلدية ودائرة مستغانم.
وفي أواخر جويلية من السنة الماضية، تسبب قارب نزهة بشاطئ الخروبة بعنابة في قتل مصطاف في العقد الثالث من العمر ينحدر من ولاية قالمة، وذلك بعد اقتراب القارب من المصطاف مما تسبب له في إصابات خطيرة على مستوى الجسم، ما استدعى التدخل الفوري لعناصر الحماية المدنية من أجل إسعاف الضحية ونقله إلى الاستعجالات الطبية بالمستشفى الجامعي ابن رشد.
وتدخل أعوان الحماية المدنية زوالا، عقب ملاحظتهم لمصطاف تعرض لجروح خطيرة بشاطئ بعد أن تسببت مروحية محرك القارب بجروح خطيرة للشاب البالغ من العمر 35 سنة، ليتم إخراج المصطاف الذي قدمت له الإسعافات الأولية في عين المكان، ونقله إلى المستشفى الجامعي إبن رشد لتلقي العلاج، غير أن الضحية فقد حياته على سرير المستشفى متأثرا بإصابته البليغة.
كما شهد شهر جوان 2023 حادثا مأساويا تمثل في وفاة أم وابنها في انقلاب قارب نزهة، حيث فارقت امرأة تبلغ من العمر 36 سنة وابنها البالغ 10 سنوات الحياة في المركز الاستشفائي الجامعي الدكتور بن زرجب بوهران، أين تم نقلهما لمصلحة الاستعجالات من طرف الحماية المدنية بعد إنقاذ 13 شخصا إثر انقلاب قارب نزهة قرب ميناء وهران.
وأفاد بيان من الحماية المدنية بتدخل الوحدة البحرية للحماية المدنية، مدعومة بفرقة من الغطاسين، مساء الجمعة 16 جوان 2023 في حدود الساعة 18 سا و 20 دقيقة، بالقرب من ميناء وهران من أجل حادث تمثل في انقلاب قارب للنزهة كان على متنه 13 شخصا من عائلة واحدة كانوا في نزهة في عرض البحر.
وفي كرونولوجيا الأحداث المأساوية التي تسببت فيها قوارب النزهة، سلطت العدالة بوهران، أوت الماضي، عقوبة عامين حبسا نافذا في حق صاحب قارب نزهة تسبب في وفاة طفلة بوهران.
وأعلن مجلس قضاء وهران أنه تم توقيف المشتبه فيه في حادث ارتطام طفلة بمروحية محرك قارب النزهة بشاطئ مرسى الحجاج بأرزيو، والتي لفظت أنفاسها الأخيرة جراء نزيف حاد.
وقد تم إدانة المتهم بجنحتي القتل الخطأ، تعريض حياة الغير للخطر ومعاقبته بعامين حبسا نافذا مع إصدار أمر إيداع في الجلسة.
كما شهد الشاطئ رقم 8 بقرباز، التابعة لبلدية جندل سعدي محمد، بدائرة عزابة، شرق ولاية سكيكدة، منتصف شهر أوت من سنة 2019 حادثة أليمة، راح ضحيتها ثلاث فتيات لقين حتفهن غرقا.
ويتعلق الأمر بكل من ويشاوي رحمة 12 سنة، تنحدر من بلدية التريعات بولاية عنابة حضرت رفقة عائلتها للنزهة والاستجمام، والثانية سعدون أسيل 4 سنوات من العمر كان حلمها أن تتجول في قارب، والثالثة بوغارب أميمة 13 سنة التلميذة النجيبة الخلوقة التي تحصلت على المرتبة الأولى في شهادة التعليم الابتدائي في مدرستها في تلك السنة، والتي فارقت هي الأخرى الحياة، في حادثة انقلاب القارب، والأخريان تنحدران من دائرة بن عزوز، أقصى شرق ولاية سكيكدة.
فيما تم نقل تسع فتيات أخريات كلهن بنات الصغيرات إلى العيادة المتعددة الخدمات ببن عزوز، أين تم تلقين الإسعافات الأولية وصفت حالة بعضهن بالخطيرة، في حين تم إسعاف سائق القارب البالغ من العمر 40 سنة في عين المكان.
وتبقى هذه الحوادث نماذج من سلسلة حوادث تسبب فيها أصحاب قوارب النزهة عبر شواطئنا، كانت وراء تحويل حياة عائلات بأكملها إلى مأساة، في لحظة تهور أو غياب لروح المسؤولية، دون مراعاة راحة المصطافين ولا خطورة ما يمارسونه على حياتهم، في ظل غياب الرقابة والردع.
"دباب البحر ".. يصنع المآسي
مع حلول موسم الاصطياف كل سنة، تتحول العديد من الشواطئ عبر الوطن إلى ما يشبه الطرقات السريعة نتيجة غزوها من طرف أصحاب "الجات سكي"، فدباب البحر .. هذه الدراجة المائية التي تستعمل للأنشطة للترفيهية، النقل، المنافسات الرياضية وعمليات الإنقاذ تحولت في شواطئنا إلى تهديد حقيقي لحياة المصطافين وحتى لركابها، شأنها شأن قوارب النزهة التي تتسبب في كل موسم اصطياف في حوادث أليمة وحتى مآسي عائلات.
ففي تيبازة، تحولت الشواطئ الممتدة عبر الساحل التيبازي إلى ما يشبه الطرقات السريعة مع انطلاق موسم الاصطياف، يتظاهر فيها أصحاب الدراجات المائية "الجات سكي" أمام الفتيات للتباهي والمعاكسة دون مراعاة حدود المساحة التي يحددها القانون رغم تعليمات السلطات الولائية.
ولم تجد القرارات التي يصدرها والي تيبازة كل موسم اصطياف، والمتعلقة بتنظيم الألعاب الرياضية على الشواطئ، طريقها للتجسيد الفعلي بسبب عجز السلطات المخولة بتطبيقها عن ذلك.
ولم تعد شواطئ الولاية آمنة على المصطافين، انطلاقا من شاطئ العقيد عباس بالدواودة شرقا وإلى غاية شواطئ الجهة الغربية بقوراية والداموس.
فأصحاب الدراجات المائية "الجات سكي" و"البيدالو" وحتى قوارب النزهة، بدرجة أكثر، المنطقة الوسطى، التي باتت الدراجات المائية والقوارب المخصصة للاستجمام تداعب أجسام المصطافين بشواطئها داخل الماء، دون أن يثير ذلك تحركا من أية جهة لوضع حد لتجاوزاتهم كونهم أبناء مسؤولين.
يقول أحد المكلفين بحراسة الشواطئ بأحد المركبات السياحية "كثيرا ما تدخلت مصالح الحماية المدنية وحراس الشواطئ لإلزامهم بالحدود التي يفرضها القانون في استعمال مثل هذه المركبات .. لكن لا حياة لمن تنادي".
وبشاطئ "تيبازة القرية" المعروف بـ "سات" التابع لمؤسسة التسيير السياحي، غزت المركبات المائية المساحة المخصصة للسباحة، بهدف التباهي و"البزنسة".
وقد عبر رواد الشاطئ عن امتعاضهم من هذا السلوك، وطالبوا بوقف زحف الدراجات المائية على حساب مناطق السباحة، رغم ما خلفته هذه الأخيرة من حوادث مؤلمة في سنوات مضت.
ولم تسلم الشواطئ الغربية للولاية، والمعروفة بهدوئها، من هذه الظاهرة، حيث لا يتوانى أصحاب هذه الدراجات في إطلاق العنان لمحركاتهم داخل مساحات ضيقة، على بعد أقل من 20 مترا داخل المياه القريبة من الشاطئ، والانطلاق بسرعة تفوق الـ 100 كلم في الساعة غير مبالين بحياة من يسبحون.
وكشفت الجولة التي قمنا بها عبر بعض شواطئ الولاية عن تفشي هذه المظاهر بشكل أكبر أيام نهاية الأسبوع.
ويجمع رواد الشاطئ على ضرورة تدخل المسؤولين لردع هذه الممارسات التي تتربص بحياتهم، حيث يقول أحد حراس الشاطئ: "لا يمكننا مراقبة السباحين لحمايتهم من الغرق وحماية رؤوسهم من محركات الدراجات المائية وقوارب النزهة، ولا ندري كيف سمح هؤلاء لأنفسهم بالدخول ضمن مساحات ضيقة وسط المصطافين.
وأضاف:" لقد تناوشنا معهم مرارا وطلبنا منهم الابتعاد عن الشاطئ، دون جدوى، ما ألزمنا بتسجيل لوحات ترقيم كل واحد منهم وتسليمها للدرك الوطني".
وكما في تيبازة القرية، فإن شواطئ مطاريس والشنوة تعرف نفس التجاوزات.
وقد أصيب أربعة أشخاص، نهاية شهر جوان من السنة الماضية، بميناء تيبازة بجروح متفاوتة الخطورة، على إثر حادث تصادم بين دراجة مائية وقارب نزهة. وأفادت مصالح الحماية المدنية لولاية تيبازة أن إسعافات المركز المتقدم للحماية المدنية بتيبازة، تدخلت، يوم الجمعة الماضية، على الساعة 20 و 5 د من أجل إسعاف وإجلاء أربعة ضحايا من كلا الجنسين، على إثر حادث تصادم بين دراجة مائية وقارب نزهة، بميناء تيبازة.
وببجاية غزت مركبات "الجات سكي" الشواطئ مهددة حياة المصطافين، حيث أشارت إحدى الصفحات الإلكترونية الناشطة بالولاية أن التنديد بخطورة الجات سكي يقابله تزمت فئة تتهم كل من يحذر من خطورة ما يحدث بالحسد والغيرة. وبعنابة، اعتبر ناشطون ما يحدث بالشواطئ من تجاوزات لأصحاب الجات سكي والقوارب ضربا لقرارات الوالي عرض الحائط.
وعلى كل، فإن عديد الشواطئ ببلادنا، إن لم تكن جلها، تحولت إلى ملاذ لأصحاب الجات سكي الذين حولوا أيام المصطافين إلى جحيم بأصوات محركاتهم وحركاتهم البهلوانية والقيادة في المساحة المخصصة للسباحة، وغيرها من الممارسات التي تعبر عن تجاوز هؤلاء للحدود.