38serv

+ -

يروي الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “اجتنبوا السبع الموبقات،، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: “الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”.

تحذيرات نبوية خطيرة من الوقوع في كبائر عظيمة تُهلك صاحبها، وبالتالي فالواجب على المسلم أن يبتعد عنها ويحذر إخوانه من ارتكابها.وأعظم هذه الموبقات وأدهاها الشرك بالله، وهو أعظم ذنب عُصي الله به، وحقيقته صرف العبادة إلى غير الله، أو أن يجعل لله ندا في عبادته: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}.

ومن الموبقات السحر وهو شر وبلاء، وكفر بالله، وممارسه شيطان، كافر بالله؛ لأنه يستغيث بغير الله، ويستعين بالشياطين والأبالسة، يفرقون به بين المرء وخليله، وبين المرأة وبعلها: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}، والساحر مفسد شيطان، يقتل شرعا: “حد الساحر ضربة بالسيف”، والمسلم حري به أن يحرص على اجتناب هذا الصنف من الخليقة فإنه لا خير فيهم، ومثلهم العرافون والكهنة والمشعوذون: “من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”.

ومن أعظم الموبقات قتل النفس التي حرم الله: “لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصِب دما حراما”، “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”، {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليهِ ولعنه وأعد له عذابا عظيما}، فحرمة المؤمن عند الله عظيمة، ينتقم الله عز وجل لعباده الذين قتلوا ظلما وعدوانا.

ومن أعظم الموبقات جريمة الربا الذي يعد كبيرة من الكبائر، وممارسه ملعون محارب لربه، فالربا سبب للانهيار الاقتصادي وغضب الله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}، “لعن الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه”، فما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله.

ومن الموبقات إيذاء الأيتام وأكل أموالهم على غير وجه شرعي، فمن المعلوم أن من محاسن ديننا الإحسان إلى اليتامى والقيام بشؤونهم، ورعاية أموالهم وحفظها، فمن أكلها فقد حل به سخط الله:{إن الذين يأْكلون أَموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}، فمن كان في حجره يتيم، فليحسن إليه قدر ما استطاع: “أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى”، وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام.

ومن الموبقات التي وردت في الحديث أعلاه التولي يوم الزحف: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله}، فحين التقاء الصفين، يحرم الفرار إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، فإن فر بلا عذر فقد باء بغضب من ربه، وذلك لأن الأصل في المجاهد الشجاعة والإقدام، وليس الهلع والانهزام.

وسابعة الموبقات التي وردت في نص الشيخين رمي المحصنات بالفاحشة، ولا فرق في الحكم بين من قذف مؤمنة أو مؤمنا، ولكن اللهذكر المؤمنات المحصنات لأن أغلب القذف يقع على النساء، وقد كتب الله عز وجل على من قذف الحد في الدنيا: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون}.

ومع ذلك، فإن باب التوبة مفتوح لمن تدنس بموبقة مما مر ذكره: “للهُ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرضٍ دَوِيَّةٍ (الأرض القفر الخالية)، مَهْلِكَةٍ (موضع خوف الهلاك)، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته، وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده”.. والله ولي التوفيق.

* إمام مسجد عمر بن الخطاب -  بن غازي - براقي