+ -

تعاني شعوب العالم جميعا، هذه الأيام، من مرض العصر ألا وهو القلق؛ هذا الداء الخطير الذي يتسبب في كثير من الأمراض والمشكلات إذا لم يستطع المرء تجاوزه أو التغلب عليه. إذ يوصف عصرنا بأنه عصر القلق، وهناك أسباب متعددة لهذا القلق ولّدتها الحضارة الحديثة، وأبرزها التعقيدات الحياتية التي أفرزتها الآلات والتكنولوجيا والمصانع الحديثة، حيث زادت ضغوط الحياة ومسؤولياتها، وأصبحت حياة الناس تتسارع مع العمل والجري وراء المادة وجمع المال والخوف من الدراسة أو الوظيفة أو مستقبل الأولاد..

ويعد القلق من الأحاسيس المؤلمة وأساس المتاعب النفسية التي يعاني منها الإنسان المعاصر، حتى أصبح خاصية عامة وعالمية، حيث إن أحدث تقرير لمنظمة الصحة العالمية أثبت أن 25% من سكان العالم يشعرون بالتوتر والخوف والإحباط، وتوقع السوء، وحدوث ما يهدد حياتهم.

لا شك أن الإنسان يصاب بالأمراض النفسية، بالهم للمستقبل والحزن على الماضي، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر مما تفعله الحسية البدنية. إن مثيرات القلق لها أسباب كثيرة، جامع القول فيها أنها غالبا ما تتعلق بالخوف من المجهول أو المستقبل؛ كخوف الطالب وقلقه من الامتحان، وخوف الوالدين على أولادهما عند مرضهم وغيره، والخوف من الموت، ونحو ذلك. وهذا القلق يكون محمودا ومندوبا إليه إذا كان وسيلة لدفع الإنسان إلى العمل الصالح، ويكون مذموما إذا تعدى حدوده، وعطل المرء عن العمل والاجتهاد.

وقلق المؤمن الأكبر ينبغي أن يكون هو خوفه من الآخرة، عذاب الله، وهذا النوع من القلق محمود ومطلوب، فالشعور بالأمن من عذاب الله ليس من صفات المؤمنين، ولا يزال المؤمن خائفا حتى يلقى الله عز وجل؛ قال تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}، والخوف جزء من الإيمان.

ويهدينا ديننا الإسلامي إلى الوسائل السليمة لاتقاء القلق، ويفرش لنا أرضا صلبة نقف عليها بثبات وطمأنينة، وقد حدد لنا المولى سبحانه وتعالى الخطوات الرشيدة التي تحقق لنا سبل السعادة، وتدرأ عنا أسباب القلق. ويمكن لنا أن نوجز العلاج الإسلامي للقلق فيما يلي: استحضار واستشعار معية الله سبحانه وتعالى والصلة بالله سبحانه وتعالى، وذلك بتلاوة القرآن والصلاة والذكر والتقوى.

ومما يقضي على القلق ويجلب السعادة والأمن والاطمئنان للإنسان الالتجاء إلى الله والتوكل عليه، فالإيمان بالله الممتزج بالتقوى والعمل الصالح مع التحلي بالصبر والتواصي بالخلق الحميد والرضا بقضاء الله خيره وشره، يورث الإنسان بشاشة الروح، وحلاوة النفس، فتقوى الله والإيمان به سبحانه، مع التوكل الحقيقي عليه، يزيل عن الإنسان أسباب التوتر ويدفع عنه القلق.

والصلاة عامل أساسي لوقاية الإنسان من القلق والتوتر، ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أعظم قدوة ونبراس، فكان صلّى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، هرع إلى الصلاة وقال لبلال رضي الله عنه: “أرحنا بها يا بلال”.

الإحسان إلى الناس بالقول وبالفعل، فبهذا الإحسان يدفع الله عن المحسن الهم والغم، وللمؤمن منه أكمل الحظ والنصيب في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما}.

المداومة على الأذكار الشرعية المأثورة من الكتاب والسنة؛ لأن الذكر سبب من أسباب طمأنينة القلب؛ فقد قال سبحانه وتعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

الاهتمام بعمل اليوم وقطع القلب عن الخوف من المستقبل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم استعاذ من الهم والحزن، فقال: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال”، فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل.