لا يزال ملف الذاكرة و تاريخ الثورة يشكلان عقدة لدى الهيئات الرسمية الفرنسية رغم انقضاء 63 سنة على الاستقلال، بدليل محتوى آخر كتاب لثلاثة مسؤولين في مديرية مراقبة الإقليم( dst) الفرنسية بعنوان " مديرية مراقبة الإقليم على جبهة الحرب ضد الإرهاب" الصادر عن دار النشر " ماروي" الصادر في 13جوان 2024، من تأليف جون فرانسوا كلير وميشال غيران و لويس كابريولي موظفين سامين في سلك الشرطة و فرع مكافحة الإرهاب في مديرية حراسة الإقليم.
تعمدت دار النشر توظيف مفهوم "الإرهاب" لوصف نضال حركات تحرير الجزائر و فلسطين، بالتزامن مع حرب الإبادة على غزة في فلسطين، مع رفع السرية عن معلومات تمجد أعمال المديرية دون الكشف عن أسرار جديدة حول الجهات الأجنبية التي قدمت المعلومات السرية لاختطاف طائرة خمس قادة من جبهة التحرير الوطني في أكتوبر 1956 و الجهات الرسمية التي أعطت الأوامر لاغتيال الشهيد العربي بن مهيدي في مارس 1957 و مكان دفن جثته من طرف عناصر فرقة بول اوساريس.
هذا الأخير كان أكثر جرأة في شهادته و اعترافه بممارسة التعذيب أثناء الثورة بمباركة من النظام السياسي بفرنسا. كما التزم مؤلفي الكتاب الصمت حيال الاعمال الإجرامية و الاغتيالات السياسية التي قامت بها " منظمة اليد الحمراء" التي أثبتت كل الأبحاث التاريخية بأنها صنيعة المخابرات الفرنسية في عهد الجمهورية الرابعة و الخامسة. يروي الكتاب كواليس هذه الهيئة المؤسسة سنة 1944 لغاية حلها سنة 2008 و استبدالها بالمديرية العامة للأمن الداخلي. اماط الكتاب اللثام عن العمليات المنجزة خلال حرب التحرير في الجزائر منذ 1954. يعود الجزء الأول إلى جريمة اختطاف طائرة قادة الثورة الخمس من بينهم أحمد بن بلة و حسين ايت أحمد و محمد بوضياف و محمد خيذر و مصطفى الأشرف، القادمين من المغرب نحو تونس بجوازات غير مصرية. بعد تحويل القادة نحو مقر مديرية حراسة الإقليم في بوزريعة بالجزائر العاصمة لاستنطاقهم بصفة فردية، باشر اعوان المديرية استغلال 12 كلغ من الأرشيف المحجوز في الطائرة.
قدم الكتاب معطيات حول حيثيات القبض على العربي بن مهيدي قائد المنطقة المستقلة الجزائر العاصمة و عضو لجنة التنسيق و التنفيذ رفقة عبان رمضان و بن خدة و كريم بلقاسم. يكشف عن كيفية مطاردة رجال المظليين للعقيد بيجار لحكيم الثورة و احد مهندسي مؤتمر الصومام في جانفي 1957 في عز معركة الجزائر و تطويق حي القصبة و بفضل استغلال اعترافات عضو في شبكات جبهة التحرير تم تحديد مكان اختباء بن مهيدي.
وهي المعلومة التي كذبها بن يوسف بن خدة في إحدى كتبه و تأكيده أن اكتشاف المكان كان بعد العثور على العنوان في وصل محل لغسل الملابس، بنهج كلود ديبيسي أين تم القبض على أحد مفجري الثورة في 23فيفري 1957.
سمح استغلال الأرشيف الموجود في الشقة بالعثور على قائمة اسمية لموظفين فرنسيين أعضاء في مديرية أمن الإقليم و تم توقيف الموظف الجزائري الذي كان وراء تسريب القائمة. خضع العربي بن مهيدي لجلسات استنطاق مطولة من طرف مصالح العقيد بيجار قبل تسليمه لفرقة بول اوساريس " كومندو - أو" في ليلة 3الى 4 مارس، لاقتياده نحو مزرعة في منطقة متيجة لاغتياله خنقا بعد محاولتين على إثر تقطع الحبل في المرة الأولى. لا يحمل الكتاب اية معطيات جديدة حول مكان دفن الجثة و لا الجهات الرسمية التي أصدرت الأوامر لتصفية قائد ثوري بعظمة العربي بن مهيدي. تقارير حول كريم بلقاسم و شبكات نقل أموال فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا
حمل المؤلف معلومات حول آخر عمليات المديرية المتمثلة في تفكيك شبكات نقل أموال الاشتراكات لفيدرالية جبهة التحرير بفرنسا بالموازاة مع مفاوضات ايفيان و اتفاق وقف إطلاق النار بين وفد الجبهة برئاسة كريم بلقاسم.
احصت قيمة الاشتراكات بحوالي 500 فرنك فرنسي شهريا لتمويل حرب التحرير بفضل شبكات دعم و نقل الأموال عبر البلدان الأوروبية و تم استهدافها و حجز قرابة مليار فرنك مع تفكيك شبكات " حملة الحقائب" التي تحمل أسماء جونسون و كيريال و دابيزي. احتفظت المديرية بفروع في وهران و الجزائر و قسنطينة و بشار مزودة بمحطات راديو، تتلقى الأوامر من العاصمة باريس و مديرية خاصة بالشؤون الجزائرية، قبل أن تغادر مديرية أمن الإقليم الجزائر رسميا في 1مارس 1962.