إن الأضحية سنة مؤكدة على كل من قوي على ثمنها، غير الحاج، لما ثبت من فعله صلّى الله عليه وسلم وترغيبه فيها، وفي ذلك ربط للمسلمين بقيمة اجتماعية عظيمة هي التضحية التي من أبرز معانيها إيثار يجعل من المسلمين يوم العيد أسرة واحدة، يشترك سائر أفرادها في نعماء الحياة.
ومن روائع ما قاله الإمام الإبراهيمي في هذا المعنى: “والعيد في معناه الاجتماعي يوم الأطفال يفيض عليهم الفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليُسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على الصلة والبر، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور”.
ومن أولى من المسلمين بأن يكونوا كذلك، وقد قرأوا في كتاب ربهم {والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض}، وقرأوا في سنة نبيهم صلّى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”.
إن مظاهر الفرح والنعماء والأخوة والمحبة التي يوفرها يوم العيد للمسلمين هي أنموذج لما ينبغي أن يكونوا عليه في سائر أيامهم؛ من أجل ذلك، يحرص الإسلام على تربية بنيه على التضحية بالمصلحة الفردية في سبيل إسعاد المجموعة.
وإن أولى صور التكافل يوم العيد تبدأ من الأضحية، حين يُكْتَفَى بأكل جزء من لحمها، ليخصص الجزءان الباقيان للتصدق والإهداء، اهتداء بقوله تعالى في سورة الحج: {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}، وقوله سبحانه من نفس السورة: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر}، كما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما أذن في ادخار لحوم الأضاحي بعد النهي عنه، قال: “كلوا وأطعموا وادخروا” أخرجه الشيخان، وقوله عليه الصلاة والسلام: “أطعموا” يشمل الصدقة والهدية.
وقد ذهب الإمام الشافعي إلى وجوب إطعام الفقراء من الأضاحي. قال ابن العربي: “وهو صريح قول مالك”. وقد علق على ذلك الإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير بقوله: “المعروف من قول مالك أنه لو اقتصر المُهدي على نحر هديه ولم يتصدق منه ما كان آثمًا”.
والأمر بالصدقة والهدية ورد في الكتاب والسنة، إن لم يكن على سبيل الوجوب، فهو على سبيل الندب والاستحباب، من غير تحديد بثلث ولا غيره، وأما ما روي من أعمال بعض الصحابة في ذلك فغايته أن يكون استحسانا منهم لإحدى صور الجواز. جعلنا الله من الملتزمين بأوامره، الشاكرين لأنعُمه، وجعل أيامنا كلها أعيادا.
*نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين