انقلبت الحياة السياسية في فرنسا رأسا على عقب بعد الفوز التاريخي لليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، ما دفع ماكرون لاتخاذ قرار حل البرلمان ما أخلط الأوراق أكثر، كل هذا هو وليد تراكمات لكن بالأخص نتيجة استراتيجية عكف على تنفيذها طيلة سنوات رجل أعمال حلمه "حماية الهوية الوطنية الفرنسية".
زلزال حقيقي تعيش على وقعه فرنسا منذ الإعلان عن نتائج الاستحقاق البرلماني الأوروبي التي وضعت حزب التجمع الوطني العنصري (حزب مارين لوبان) كالقوة السياسية الأولى في فرنسا، وهو التشكيل السياسي الذي لا برنامج له سوى طرد المهاجرين وفي مقدمتهم الجزائريين، فأول ما ينوون القيام به إن وصلوا لسدة الحكم بعد التشريعيات المسبقة هو مراجعة اتفاقيات 1968 مع الجزائر.
ومن تبعات هذا الزلزال أيضا هو إعلان رئيس حزب الجمهوريين (اليمين المعتدل)، ايريك سيوتي، عزمه إبرام تحالف مع حزب التجمع الوطني، مخالفا الموقف التقليدي للتيار الديغولي المعادي لليمين المتطرف.
الإعلان الذي تم في نشرة المساء لقناة "تي اف 1 "، فاجأ حتى المكتب السياسي للحزب الذي لم يستشر رغم أهمية القرار.
وهنا كشفت يومية "لوموند"، أن ساعات قبل الذهاب لمقر القناة عرّج ايريك سيوتي على أحد الأحياء الراقية في باريس، أين التقى بأحد أهم الوجوه الاقتصادية ومالك عدة قنوات وجرائد في فرنسا.
معه تحدث رئيس الحزب عن تفاصيل القرار وكيفية تسويقه، تضيف الجريدة. شيء يثير الاستغراب في دولة تتدعي الديمقراطية وضرورة ابعاد أي تأثير لأصحاب المال في ميكانزيمات القرار السياسي عكس ما يجري في الولايات المتحدة.
من هو فانسون بولوري؟
هذا المليادير هو فانسون بولوري، صاحب 72 عاما، ينحدر من منطقة لابروتان شمال فرنسا، من عائلة بورجوازية محافظة، والده كان أيضا رجل أعمال في صناعة الورق.
لكن في بداية سنوات الثمانينات قرر التحليق هو وشقيقه تنويع نشاطات الشركة الموروثة عن والده.
وفي ظرف 3 عقود استطاع من تشييد امبراطورية رقم أعمالها تجاوز 23 مليار دولار، وشركاته متواجدة في 127 دولة وتوظف 81 ألف شخص.
جزء مهم من ثروته منبعه في القارة السمراء (75 بالمائة من رقم الأعمال المذكور أعلاه) أين تشتغل مؤسساته في النقل البحري وأيضا المضاربة في الكاكاو وإنتاج زيت النخيل، وسط اتهمات متكررة بالتأثير على القرار السياسي في العديد من الدول الافريقية مثل كوت ديفوار والكامرون، وطبعا دفع رشاوى لحكومات هذه الدول.
فهو متابع منذ أيام بتهمة دفع رشاوى من قبل عدالة بلاده في كل من الطوغو وغينيا، للحصول على صفقات تسيير موانئ.
فالمفارقة مع بولوري أنه يحلب الملايير باستغلال الأفارقة وثرواتهم، لكنه لا يريدهم أن يعيشوا في فرنسا.
نقطة التحول في مسار رجل الأعمال وبداية تاثيره على الحياة السياسية الفرنسية كانت في سنة 2012 أين تمكن من الاستحواذ على نسبة مهمة من أسهم شركة "فيفاندي" المالكة لمجمع "كنال + "، القناة المعروفة بتحقيقاتها وحصصها الساخرة.
لكن بولوري سيضع حد لهذه الصورة بداية من سنة 2015 أين قرر توقيف بث حصة Les Guignols de l'info وهو برنامج ترك بصمته في تاريخ التلفزيون الفرنسي وتردد أن قرار التوقيف جاء لكبح تهجم معدي البرنامج على ساركوزي والسماح له بالترشح لرئاسيات 2017.
كما أوقف بث تحقيقات كثيرة بسبب محتواها الذي يعتبره مضرا بمصالحه الاقتصادية ويمس بسياسيين يقاسمونه نفس التوجه المتطرف.
CNEWS.. قناة التيار العنصري
وواصل بولوري في الاستحواذ على عدد من الجرائد والأسبوعيات مثل Paris Match، لكن المنعرج الكبير هو تحويل قناة ITELE إلى قناة "CNEWS"، حينها غادر 100 صحفي القناة من بين 120 الذين كانت تشغلهم القناة أغلبهم لرفضهم العمل في قناة ستتحول إلى الناطق الرسمي للتيار اليميني المتطرف.
وهو ما قام به فعلا بولوري بتوظيف العنصري ايريك زمور كمحلل دائم في إحدى الحصص وشرع في نفث سمومه يوميا على المهاجرين والإسلام والمسلمين ما قاده لأروقة العدالة التي أدانته عدة مرات دون أن يؤثر ذلك على استمرار ظهوره على القناة.
وبعد إطلاق زمور لحزبه ظلت القناة تسانده بتغطيات مميزة خلال الرئاسيات التي ترشح لها ولم يحصل إلا على 7 بالمائة.
هذا الفشل دفع بولوري للتفكير في استراتيجية جديدة هي توحيد كل تيارات اليمين الفرنسي وجاءت نتائج الانتخابات الأوروبية وحل البرلمان سانحة لذلك غير أن لحد كتابة هذه الأسطر الفشل سيكون مآله هذه المرة أيضا، بعد طرد ايريك سيوتي من رئاسة الجمهوريين وانفجار حزب ايريك زمور بعودة حفيدة لوبان لأحضان حزب جدها.
الحلم الذي يراود بولوري هو تنقية فرنسا من المهاجرين وحماية ما يسميه "الهوية الفرنسية" من الاندثار تحت ضغط موجات الهجرة.
قصة بولوري فريدة من نوعها في التاريخ الحديث لفرنسا، فكل الرؤساء كانوا من ميتيران إلى ماكرون كانوا على علاقة برجال أعمال، غير أن بولوري لا يريد صداقة أو التقرب من رئيس بعينه بل يريد أن يكون عراب الحياة السياسية الفرنسية برمتها بفرض التيار المتطرف الضامن الوحيد ولو نسبيا لتطبيق أفكاره العنصرية.