كيف وقعت واشنطن في فخ الحسابات الخاطئة

+ -

بعد ثمانية أشهر من إحباطها كل المحاولات ومقترحات القرارات التي تتضمن مطلب وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما فيها تلك التي بادرت بها الجزائر، تعود الولايات المتحدة بمقترح قرار في مجلس الأمن جرى توزيعه الليلة قبل الماضية، يتضمن وقفا لإطلاق النار، مباشرة بعد طرح الرئيس جو بايدن صفقة اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وهو ما يدفع إلى البحث في خلفيات هذا التحول في الموقف ودوافعه وما إذا كان يصب في صالح المقاومة وسكان قطاع غزة.

كان لافتا أن الرئيس الأمريكي وهو يعرض الخطوط العامة للصفقة يسمي الطرفين على هذا النحو، المقاومة وإسرائيل، وهذا يمكن اعتباره من الناحية السياسية انتصارا للمقاومة ولحركة حماس التي تلصق بها واشنطن توصيف الحركة الإرهابية، لكنها تقر الآن بأنها طرف أساسي في قرار الحرب والسلم وفي معادلة الصفقة المفترضة، وهذا بالمعنى السياسي اعتراف بكينونتها السياسية والعسكرية وبوجودها الذي لم تستطع إلغاءه لا المواقف الأمريكية ولا المجهود العسكري الصهيوني، ولذلك اعتبرت حماس أن تصريح بايدن "إيجابي".

وعندما يعرض بايدن صفقة جديدة وشاملة لوقف الحرب وعودة الأسرى، فهو يعلن بنفسه عن هزيمتين في نفس الوقت، الواحدة أمر (من المرارة) من الأخرى. وهذا النوع من الهزائم اعتادت واشنطن على تجرعه بحكم تجاربها السابقة في مناطق أخرى من العالم، على غرار تجربتها في أفغانستان مع "طالبان" نموذجا، بل إن بايدن يحذر قادة الكيان من تفويت فرصة هذه الصفقة، وخاطبهم قائلا: "أطلب منكم التروي والتفكير فيما سيحدث إذا ضاعت هذه الفرصة، لا يمكننا تضييع هذه الفرصة".

يتحدث بايدن عن صفقة "الفرصة الأخيرة"، وبالتأكيد لم يكن ليفعل لو كانت موازين القوة ومآلات المواجهة تميل لصالح الكيان الصهيوني، وهذا يعني أن واشنطن بصدد إعلان للهزيمة السياسية لمشروع العدوان الصهيوني، الذي لا يقف وراءه صمود المقاومة فحسب، وإن كان ذاك السبب المركزي، ولكن لأن هناك متغيرا أساسيا حدث في الكتلة الحليفة وداخل المربع الغربي من حيث تبدل موقف دول أوروبية من المسألة الفلسطينية على نحو جذري، بصورة وضعت الكيان في عزلة وفي موقع تصادم مع كامل المنتظم الدولي، وفي المقابل يمكن اعتبار ما يعرضه بايدن إقرارا بهزيمة الكيان العسكرية وإخفاقه ميدانيا وفشله بشكل كامل في تدمير حماس والمقاومة، حيث يقرأ تصريح بايدن على أن تقديرات الموقف من قبل مجموع المؤسسة الرسمية الأمريكية تصب في أن هذه الحرب لم يعد لها أي أفق، وهو تقدير صحيح ويتوافق مع موقف الشارع والكثير من القوى في الداخل الصهيوني، بما فيها جزء من المستوى العسكري.

أكثر من ذلك، فإن التطور الجديد في الموقف الأمريكي يعطي مؤشرات على أن الإدارة الأمريكية بصدد حسم خيارها لصالح الطرف الصهيوني المقابل لنتنياهو، لكون الأخير لم يعد يعبر عن التطلعات الأمريكية، وهو ما يفسر الأزمة والصراع الحاد الذي خلفه الموقف الأمريكي، حيث أصبح يخلق أزمة داخل مربع الحكم في الكيان الصهيوني ويعمق الخلاف بين أضلعه المتصادمة أكثر مما يفاقم الضغط على كتلة المقاومة، وهذا بحد ذاته نقطة لصالح الأخيرة، يعزز موقفها التفاوضي ويحفز لمزيد التمسك بالخطوط الأساسية للمطالب المركزية للمقاومة.

وعلى الرغم من أن الخطة التي يعرضها قد تبدو في عنوانها العام إقرارا بفشل سياسي وعسكري للكيان، إلا أنها تتضمن حقل ألغام، وفقا لما وصفها الكاتب والباحث المعروف وليد عبد الحي في تقدير موقف نشره، حيث يعتبر أن خطة بايدن وليدة وضع ملتبس في غزة، يتعين التعامل معها وفقا لسوء النية المطلق، كما تفرض على المقاومة "التحديد الدقيق لكل تعبير يرد في نص الاتفاق بما يتناسب مع مصلحة المقاومة وعلى أساس أكبر قدر من المكاسب أو أقل قدر من الخسائر، والتشاور مع كافة أطراف محور المقاومة لمعرفة مستوى التزامهم بمواصلة المساندة فيما لو ذهبت الأمور نحو الأسوأ".

وينبه المتحدث إلى أن المقاومة "لا بد من أن تصر على أن فترة الستة أسابيع تتضمن استكمال خروج القوات الإسرائيلية بشكل كامل من القطاع كله، وأي نص خلاف ذلك يعني ترك المجال لإسرائيل لافتعال أي حدث والتذرع به لمعاودة القتال في أي لحظة تشعر أن ذلك لصالحها، والاستغلال الجيد لمسألة تبادل الرهائن". ويؤكد أنه "على المقاومة أن تقول إن حجم الدمار في المنازل والمرافق والبنية التحتية يستدعي زيادة قنوات تدفق المساعدات، وهو ما يعني السماح للمقاومة بالشروع في إعادة ترميم ميناء غزة ومطارها لتسهيل وصول المساعدات لتقليص مدة الإعمار بدلا من احتكار المعابر بين إسرائيل ومصر، وأن تصر على أن بنود المساعدات وتحديدها يجب أن لا تخضع للقيود الإسرائيلية".

 

كلمات دلالية: