38serv
بلغت الحرب الصهيونية على غزة شهرها الثامن، حرب ذكّرت العالم بمآسي الحربين العالميتين الأولى والثانية وبما فعلته فرنسا خلال حرب الجزائر، فلم يتوان الاحتلال الصهيوني عن إبادة الإنسان الفلسطيني وكل ما له علاقة به، لكن هذه الحرب كشفت أيضا عن توازنات جديدة فرضتها المقاومة، خاصة فيما يتعلق بكسر أسطورة الردع الإسرائيلي، وانفضاح السردية الصهيونية دوليا مع تعاظم الدعم الدولي لقيام دولة فلسطينية.
التوازنات الجديدة فرضتها المقاومة الفلسطينية منذ اليوم الأول من إطلاق عملية طوفان الأقصى، وعلى مدار ثمانية أشهر من الحرب استطاعت أن تظهر للعالم بأن الجيش الصهيوني الذي لا يقهر؛ بأنه يقهر ويذل داخل مربعاته المحصنة، وبأن التفوق التكنولوجي مجرد شعار أظهر حدوده أمام تمرس المقاومة وحنكة قادتها، ولم ينفع الكيان الصهيوني على مدار كل هذه الفترة لا الذكاء الاصطناعي، ولا القنابل الخارقة الحارقة، ولا الأسلحة المتطورة التي تذيب الجثث، ولا الصواريخ التي تسوي العمارات أرضا أو تدك التحصينات والأنفاق.
بل على العكس، المقاومة الفلسطينية وعلى مدار الثمانية أشهر استطاعت أن تسير المعركة بنجاح على كل المستويات والأصعدة العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية والإعلامية والدبلوماسية، حيث لا زالت المقاومة تكبد قوات الاحتلال الخسائر الفادحة في الآليات وتسقط يوميا مزيدا من الجنود والضباط بمختلف رتبهم. وأكثر من ذلك تأسر العديد منهم، وبعد كل هذه المدة تظهر قوات المقاومة من جديد في شمال غزة وتقصف منه غلاف غزة وتل أبيب بعدما أعلن الاحتلال أنه "قضى" على المقاومة في هذه المنطقة.
المقاومة الفلسطينية وانجازاتها، استطاعت أن تظهر الوجه الحقيقي لنظام الاحتلال الصهيوني الإرهابي للعالم، الذي لا يختلف عن الجماعات الإرهابية في القتل والتنكيل والإبادة، بل أكثر إرهابا من تنظيم الدولة ومن شابهها من منظمات متطرفة.
هذه الحقيقة جعلت الرأي العام العالمي ينقلب على الصهاينة وتتفجر بسببها ثورة طلبة عبر جامعات العالم دعما للفلسطينيين وحقهم في قيام دولتهم والاستقلال، وهو المطلب الذي انخرطت فيه دول عدة أعلنت تباعا عن اعترافها بقيام الدولة الفلسطينية، على غرار اسبانيا والنرويج وايرلندا وسلوفينيا، وجرت الكيان لمحكمة العدل الدولية في انتظار أن تصدر المحكمة الجنائية أمرا بالقبض على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وإلى غاية اليوم، لا تزال المقاومة الفلسطينية تتحكم في مجريات المعركة على الأرض وتوجه الضربات القاتلة للاحتلال في المكان والتوقيت الذي يخدمها.. وأكثر من ذلك، تقوم بعمليات استعراضية تظهر قوتها وتكشف من خلالها عن قصور وانتكاسة الاحتلال الصهيوني.
هذا التذكير بمنجزات المقاومة، هو للتذكير بأن من يتحكم في المعركة هو من يملي شروطه، وحديث الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وحتى الدول العربية المطبعة التي أظهرت استعدادها للمشاركة في قوات دولية أو عربية في غزة بعد الحرب، على غرار ما أبدته كل من المغرب والإمارات العربية المتحدة، لا يعدو أن تكون أماني لا تمت بصلة إلى الواقع، يراد منها الضغط على المقاومة وتحوير النقاش، ومحاولة ربح نقاط عبر الإعلام بعدما فشلت الإدارة الأمريكية الراعي الرسمي للحرب على غزة في كسبها على أرض المعركة.
حركة "حماس" الفصيل الأقوى في غزة، عبّرت عن موقفها في أكثر مناسبة؛ وهو رفضها لأي وجود عسكري "لأي قوة كانت" على الأراضي الفلسطينية.
الحديث عن حسم الحرب وفق الشروط والأهداف التي حددها نتنياهو، يبقى غير قابل للتحقيق، لأنه بعد كل هذا الوقت وكل القوة المستخدمة والفاتورة البشرية، لم يستطع تحقيق ولا هدفا من الأهداف التي رسمها. وعليه، فإن إطالة الحرب لن يكون من ورائه إلا المزيد من الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية والجيوسياسية للكيان الصهيوني.
موازاة مع ذلك؛ فإن الحديث عن اليوم التالي للحرب ومن سيدير غزة، لا يمكن أن يكون إلا وفق الشروط التي تضعها المقاومة الفلسطينية في غزة، لأنها عمليا هي من تتجه لحسم الحرب لصالحها وهي من تتواجد في موقع قوة، وعليه لا يمكن أن تملي الجهة الخاسرة شروطها على الجهة التي ربحت الحرب.
وزير الدفاع الصهيوني يؤاف غالانت، قال في اتصال مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: إن أي اتفاق يجب أن يفكك حماس كسلطة حاكمة وعسكرية في قطاع غزة، وتحديد وتمكين البديل الفلسطيني المحتمل لسلطة حماس في القطاع، لكن السؤال المطروح: من سيفكك تنظيم حماس ومن سيحدد بديل حماس في غزة إذا لم يكن التغيير بإرادة حماس وإرادة فلسطينية شاملة؟