توجيه الشباب في استغلال الإجازة والفراغ

38serv

+ -

يعاني الشباب في فصل الصيف الفراغ وعدم الاستغلال الأمثل للإجازة، فقد انتهى العام الدراسي، وأقبلت الإجازة الصيفية التي تعد “كابوسا” على الكثير من الأسر، فالأبناء طاقة وحيوية تحتاج إلى قنوات لتصريفها. وهكذا، يعاني الكثير من الأسر من كيفية ملء فراغ أبنائها وبناتها الّذي يقارب ثلاثة الأشهر.

تعد مشكلة كيفية استثمار وقت الفراغ من أهم المشكلات التي يعاني منها الشباب والصبية والمراهقون بصفة خاصة، وتزداد هذه المشكلة تفاقما في ظل عدم وجود خطط أو برامج متاحة أمام هذه الشرائح طيلة أيام العطلة الصيفية، كذلك تزداد هذه المشكلة حدة بضعف أو غياب سلطة الأسرة ورقابتها على الأبناء لأسباب كثيرة، ومن ثم نجد تزايد شكاوى الأسر من مشاكل الآباء والأمهات الموسمية من الأبناء، بسبب وقت الفراغ وعدم استغلالهم للوقت بشكل إيجابي. وهكذا، فإن حجم وقت الفراغ كبير جدا، ومن الممكن أن يكون فرصة للاستفادة والتطوير، وقد يكون عكس ذلك.

فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوجهنا بدعوة تربوية صريحة للاستفادة من وقت الفراغ بقوله: “اغتنم خمسا قبل خمس، وفيه: شبابك قبل هرمك... وفراغك قبل شغلك...”. وفي نفس السياق، يقول عليه الصلاة والسلام: “لا تزول قدمَا عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع.. وذكر منها: عن عمره فيما أفناه... وعن جسمه فيما أبلاه”.

إن أضرار الفراغ على النشء والمجتمع وما قد يسببه من جنوح وانحراف لهؤلاء الفتية واضحة غير خفية، فالفراغ ينعكس على صورة الفرد عن ذاته؛ إذ يرى نفسه وقد أصبح بلا جدوى وبلا منفعة، أصبح إنسانا بلا هدف، وحياة بلا روح، ولا معنى لوجوده، ما يجعله يبحث عن الهروب والميل إلى الحيل النفسية، بعيدا عن المواجهة وتحمل المسؤولية، فنجده قد يستخدم المسكرات والمخدرات، والبحث عن الرذيلة علّه يجد متعة أو لذة.

يجب على كل شاب وطالب في الإجازة الصيفية أن يخطط لقضاء وقت سعيد ومفيد في نفس الوقت، حتى لا يشعر بالملل ولا يترك للفراغ مجالا في حياته.. ولابد على الأسر أن يكون لديها تخطيط برامج العطلة الصيفية لأبنائها من الصغار والكبار مؤهلا لبناء طفل ومراهق، وشاب قادر على خدمة مجتمعه، من خلال الدورات التدريبية والاجتماعية والثقافية والصحية والفنية والاستشارات الأسرية واستخدام أفضل أساليب توصيل المعلومات والتركيز على القيم والتميز في خدمة الوطن والسعي إلى استغلال وقت أبنائنا خلال العطلة الصيفية، وإخراجهم من جو المدرسة إلى جو المرح والرفاهية والمعرفة وتنمية روح التعاون بين الجميع.

ما أحوجنا إلى مثل هذه المشاريع التي تساهم إسهاما فعالا في تنمية مهارات وإبداعات أولادنا، واستغلال فترة الإجازة في المعرفة، وتشغيل اليدين والحواس بالعمل والنشاط الذي أصبح يفتقده الكثير من أولادنا مع الثورة التكنولوجية التي دخلت في جميع مجالات حياتنا، لاسيما لو تم تفعيل دور المدرسة والمعلم، من خلال دورات للتواصل ما بين المدرسة والمدرس، واستعراض المهارات المختلفة. وكذلك عن طريق دورات لحفظ القرآن الكريم يكون لها جوائز محفزة. كما ينبغي التفكير في تصميم برامج ترفيهية تحتوي على نشاط رياضي كامل، وزيارات ميدانية لبعض المؤسسات الخاصة والعامة.

إن الرابح في الإجازة مَن عمَّرها بالنافع المفيد، فاكتسب علما، أو تعلم حِرفة، أو أتقن مِهنة، أو حفظ آية، أو علم حديثا، أو قرأ كتبا نافعة، أو التحق بمركز صيفي يزيده إيمانا وثقافة، ويكسبه مهارة، ويملأ وقته بالمفيد، والرابح في إجازته من جعل لأقاربه وذوي رحمه نصيبا منها، أو أسهم في مشروع خير، أو أمد إخوانه وساعدهم فيما يخدم المسلمين ويرفع راية الدين، والرابح في إجازته من أخلص النية لله فيها، فالعادة تنقلب إلى عبادة متى صلحت النية..

والرابح منا من استغل إجازته في تعليم أهله وأولاده ما ينفعهم، واستغل وجوده بينهم، فذكرهم بما يجب، وحذرهم مما يجتنب، والأب المثالي هو الذي يهمه صلاح أبنائه وبناته، ويستغل كل الإمكانات المتاحة، من مراكز صيفية للطلاب ودور نسائية لتحفيظ القرآن الكريم للبنات والأمهات. لأن الوقت هو الحياة، وقيمة الإنسان في استثماره لوقته، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن الموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، وإضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة”. وأشد الناس غبنا يوم القيامة أشدهم تضييعا لوقته في الدنيا، يقول النبي صلّى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”.

وإن الشباب عماد الأمة ورصيدها وذخرها وسر نهضتها وبناة مجدها ومستقبلها، وبصلاحهم واستقامتهم تصلح الأمة وتستقيم، ومن أهم عوامل تحقيق صلاح الشباب واستقامته وعيه بواجبه نحو أمته وملؤه أوقاته بالنافع المفيد..

وها أنتم أيها الشباب تستقبلون إجازتكم السنوية، فإياكم وإياكم والفراغ والبطالة، فإنهما أصل كثير من الانحراف ومصدر أكثر الضلال. فاملأوا أوقاتكم في هذه الإجازة بالنافع والمفيد في دين أو دنيا، ولا تتركوها نهبا لشياطين الإنس والجن، وقد يسر الله تعالى لكم في هذه الأزمان قنوات عديدة تستغلون من خلالها أوقاتكم وتنمون قدراتكم وعلومكم ومعارفكم بل وإيمانكم.