عميد مسجد باريس: "لا ننتظر أحدا ليملي علينا ما الذي ينبغي فعله"

+ -

في هذا الحوار الذي خص به "الخبر" يرد عميد مسجد باريس، شمس الدين حفيز على الحملة الشعواء التي يتعرض لها في فرنسا بعد مواقفه وتصريحاته الأخيرة، خاصة تلك التي تحدث فيها عن تحالف مخالف للطبيعة بين اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني ضد المسلمين، وكذا استقباله المترشحة للانتخابات الأوروبية عن حزب "فرنسا الأبية" ريمة حسن.

 

 خلف لقاؤكم الأخير اللاجئة والناشطة الفلسطينية الأصول، ريمة حسن، مرشحة حزب "فرنسا الأبية" في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، المقررة في 9 جوان، هجوما لاذعا من اللوبي الصهيوني، ممثلا في أحد أذرعه، ويتعلق الأمر بـ "الرابطة الدولية لمحاربة العنصرية ومعاداة السامية". كيف تعلقون على هكذا ردود فعل ومواقف؟

بداية أشكركم على هذا الحوار، وأحيي من خلالكم قراءكم وكل متابعي الشأن الإسلامي في فرنسا. لقد خلف فعلا هذا اللقاء الذي ذكرتموه هجوما غير مبرر علينا، وأنا انطلاقا من مسؤوليتي وواجبي الأخلاقي أصدرت بيانا بتاريخ الجمعة 24 ماي 2024، أوضحت فيه عديد القضايا الهامة المتعلقة بهذه الهجمة، وباللقاء للرأي العام. نحن ملتزمون بواجبنا الإنساني والأخلاقي، كما ذكرت في البداية، لاسيما تجاه القضايا العادلة، ونقف موقفا حاسما معها.

ومسجد باريس الكبير، لا يدافع عن المسلمين فقط ويحمي حقوقهم، بل يتصدى أيضا لكل سلوك عدائي غير أخلاقي وغير إنساني.

 وفي هذا الصدد، أريد أن أعود بكم إلى العلم الماضي حيث استقبلنا مجموعة لاجئين لدواع إنسانية من مسيحيي الشرق، ونظمنا مأدبة غداء على شرفهم، وجمعناهم بأئمة مسجد باريس الكبير، حيث دارت نقاشات عديدة حول كبرى القضايا التي تشغلهم. وقد أخذت على عاتقي هذه المسؤولية منذ تقلدت منصبي في شهر جانفي 2020.

لذا أحببت أن أبدأ معكم بتوضيح هذه النقطة التي أراها على جانب كبير من الأهمية.

أما استقبالنا لناشطة حقوقية ومرشحة ووجه سياسي وإعلامي معروف مثل ريمة حسن، ليس تهمة أو جريمة، بل هو نشاط يندرج ضمن جدول أعمالنا.

كما أننا لا ننتظر أحدا ليملي علينا ما الذي ينبغي فعله، ومن الوجوه والشخصيات التي يجب استقبالها واللقاء معها.

 

 تربط مسجد باريس وهذه المنظمة (ليكرا) اتفاقية شراكة وتعاون، على أساس العمل المشترك لمحاربة العنصرية والإسلاموفوبيا ومعاداة السامية. ومع ذلك أعلنت تلك الرابطة فك الارتباط بالاتفاقية، في شكل من اشكال الاحتجاج على استقبالكم للمناضلة ريمة حسن. كيف استقبل مسجد باريس الكبير هذا موقف "ليكرا"؟

موقف "ليكرا" (الرابطة الدولية لمحاربة العنصرية ومعاداة السامية)، لا يغير في مشروعنا شيئا، ولن يثنينا عن المضي قدما في تجسيد برنامج عملنا الذي يقوم على نشر قيم التسامح والتعايش بين أفراد مجتمعنا وأمتنا. كما أن مسجد باريس الكبير لا يتأثر بالمواقف العشوائية والانفعالية غير المدروسة، كما أنه لا يقبل الاملاءات الخارجية من أية جهة أو مؤسسة، أيا كان اسمها وحجمها.

 منذ رئاستكم عمادة مسجد باريس سعيتم لربط علاقات شراكة وتفاهم، والمشاركة الفعالة في كل هيئات ومنظمات وتجمعات نخبوية، وأخرى شعبوية، حتى يتم تكريس مبدأ التعايش السلمي بين الأديان، وأيضا من أجل إبراز صورة الدين الإسلامي الحنيف السلمي.

 

ألا يؤثر، في رأيكم، موقف هكذا منظمات يهودية متطرفة على المخطط الذي تسعون لتجسيده وابرازه للرأي العام هناك؟

نعم بالفعل كما تفضلتم، نحن دعاة سلام وحوار وتعايش بين الأديان والثقافات والحضارات. وتجمعنا أرضية مشتركة مع كل المؤسسات التي تقوم على هذه المبادئ.

وكما أسفلت الذكر، نحن لا نتأثر بالمواقف ولا بالتصريحات ولا بالهجمات المعادية، لأننا نعمل بخطىً ثابتة ومواقف راسخة لا تتغير بتغير المناسبات والأحداث.

وجميع ما تجسد منذ انتخابي عميدا لحد اليوم، يسير وفق برنامج مسطر وعمل مدروس مسبقا. أظهر موقف منظمة "ليكرا"، وقبلها مواقف شخصيات أدبية وفكرية وسياسية في فرنسا، أن كل من يخالفهم الرأي فهو في خانة "العدو" أو يكاد يكون كذلك.

 

فماذا تعلقون على مبدأ "الكيل بمكيالين" في قضية حرية الرأي والتعبير والتفكير التي يمارسها هؤلاء؟

أذكّر من خلالكم وقد ذكرت من قبل في البيان الذي أصدرناه، أننا لا نقبل سياسة الكيل بمكيالين، ونرفض رفضا قاطعا مصادرة حرية الرأي والتعبير التي تنشدها هذه المؤسسات والشخصيات لنفسها، ومنها مؤسسة "ليكرا"، لكنها لا تريدها لغيرها وترغب في مصادرتها والاستئثار بها إذا ما تعلق الأمر بمن يخالفها الرأي والموقف.

 ومن الأهمية بمكان التذكير أيضا، أن مسجد باريس الكبير الذي ينكرون عليه مواقفه اليوم، هو المؤسسة الدينية التي تفتح أبوابها للجميع، ولا يزال لحد اليوم راسخا في أذهان الفرنسيين موقفنا من الشابة الفرنسية "ميلا" التي كانت تعادي المسلمين وتتهجم على الإسلام والقرآن الكريم، وموقفها ذاك كان نابعا من عدم معرفة ودراية بالإسلام، إلى جانب تعرضها لمضايقات وضغوطات نفسية دفعتها إلى ما أقدمت عليه.

فقد استقبلتها شخصيا، ورافقتها في جولة بمسجد باريس الكبير، حيث عرّفتها على المسجد وشرحت لها قيم الإسلام ومبادئه، ثم رأينا كيف ترك هذا اللقاء أثرا طيبا في نفسها وكيف كان موقفها عبر وسائل الإعلام التي استضافتها بعد هذه الزيارة.

 

 لنعود إلى خلفيات الهجوم الذي تعرضتم له من اللوبي الصهيوني هناك، مثلما هو الهجوم على عديد الشخصيات التي أبانت عن موقفها بشأن الجرائم المرتكبة في قطاع غزة وفي فلسطين عموما. هل يمكن لهؤلاء "المتعصّبين" أن يؤثروا على مواقف شخصيات وهيئات ومنظمات حتى لا تبدي موقفها مما يحدث في غزة؟

لقد بات اليوم واضحا للجميع أن ما في يحدث في غزة من إبادة جماعية وتصفية عرقية ودينية على حساب شعب كامل، والمواقف التي صدرت عن منظمات دولية وهيئات حقوقية دولية تؤكد أن الرأي العام العالمي صار على وعي تام بما يحدث ولا يمكن خداعه أو إقناعه بغير الحقيقة.

 هناك فعلا ضغوط تمارس على بعض الشخصيات العامة والوجوه السياسية والثقافية والفنية، وكثير منها أبدى موقفه بكل جرأة وصراحة، وقد رأينا كثيرا من هذه المواقف الواضحة من خلال عبرت عنها شخصيات فنية وسينمائية في مهرجان كان بطبعته الحالية، في أشكال وصور مختلفة.

 

 في رأيكم ما هي الوسائل المتاحة لمواجهة هذا "الطوفان الإقصائي" الذي يركز سهامه على كل ما هو مسلم وكل من يخالفه الرأي، خاصة ما تعلق بالقضية الفلسطينية؟

أعود لأؤكد مرة أخرى، أننا ماضون في برنامجنا وفي مشروعنا، وشخصيا كل تعهد أخذته على عاتقي منذ أربع سنوات سأظل ملتزما به، حيث ركزت على ثلاثة محاور رئيسة، تكوين الأئمة، محاربة التطرف والعنف والخطاب الموازي، والدفاع عن المسلمين ومحاربة جميع السلوكات المعادية لهم.

وقد تحقق منها لحد الآن نسبة كبيرة ترضي طموحنا، حيث تخرجت دفعات متتابعة من الأئمة المتكونين محليا، وعملنا منذ سنتين على تكييف الخطاب الديني وسيصدر كتابا في نسخته النهائية يتضمن المصطلحات المتعلقة بالخطاب الديني، ونعمل اليوم عملا متواصلا وجادا لتحقيق الهدف الثالث بحول الله تعالى.

 

كلمات دلالية: