أثارت قصة العثور على الشاب الذي اختفى في ظروف غامضة مع نهاية تسعينات القرن الماضي، حين كان عمره نحو 16 عاما، بولاية الجلفة، حالة من الدهشة والذهول لدى الجزائريين الذين استغربوا من الواقعة الأقرب إلى الخيال.
ووجه المتابعون للقضية عدة أسئلة فيما يتعلق بالظروف التي عايشها الشاب أثناء احتجازه؟ وكيف لم يتمكن من اكتشاف أمره طوال هذه السنوات، خاصة وأنه كان رهينة من طرف أحد الجيران؟ وعن الأسباب التي جعلت المجرم يقوم بفعلته المشينة؟.. إلخ
وأمرت النيابة العامة الجهات المختصة بتوفير العناية الطبية والنفسية للضحية، وتقديم المشتبه فيه أمام النيابة العامة فور انتهاء التحقيق، بينما "ستتم متابعة مرتكب هذه الجريمة النكراء بكل الصرامة التي تقتضيها قوانين الجمهورية"، يؤكد مجلس قضاء المنطقة.
كما نقلت قنوات محلية الصدمة التي أوقعها الخبر على المواطنين في المنطقة، والذين أكدوا أن الضحية فُقد فعلا سنة 1996، وتوفيت والدته قبل سنوات فقط وهي تنتظر ظهوره "وفق إحدى الشهادات".
آثار نفسية وعقلية عميقة
وفي هذا الصدد، قالت الأخصائية النفسية، سميرة فركاش، في حديثها مع "الخبر"، أن الحالة التي عايشها هذا الشاب ستترك له أثارا عميقة سواء من الجانب النفسي أو العقلي، لأن العزلة الاجتماعية تأتي نتيجة صدمة الاختطاف، وبالتالي تدمير الفرد من الداخل ومنعه من أدنى حقوقه.
جميع هذه الأمور خلفت آثارا متواصلة لأن حياة هذا الشخص دمرت على قرابة الثلاثين سنة، وهذا الأمر ليس سهلا ويمكن على الشخص تحمله بعيدا عن أهله وفي حالة اختطاف وعزلة عن الحياة الإنسانية بدون أدنى حقوق العيش.
وأشارت الأخصائية النفسية إلى أن هذا الوضع سيخلف آثارا عميقة على الجانب النفسي والعقلي، لأن الإنسان يصبح عرضة للكثير من الاضطرابات النفسية والعقلية.
فمن غير المعقول، تضيف، أن يبقى الإنسان لسنوات عديدة منعزلا دون الحديث مع أي شخص، منقطعا عن أي أخبار سواء عن الأهل، الأصدقاء أو الوسط الذي تعوّد العيش فيه.
جميعها أشياء تجعل الإنسان يعتبر أن علاقته مع العالم الخارجي منعدمة، ويصبح الأمل في الحياة ضئيلا جدا، ويبقى دائما في يومياته الخوف، التهديد، العقاب الذي يكون بمختلف الأنواع، لأن الشخص الذي يتم اختطافه يتعرض إلى عنف معنوي لأنه يجرده من حقوقه وإنسانيته إضافة إلى مختلف أنواع العنف التي من الممكن أنه عايشها، حيث ستبين التحقيقات أنواع العنف التي تعرض لها هذا الشخص ومخلفاته على حياته.
وأردفت المتحدثة أنه بصفة عامة فقد تعرض هذا الإنسان إلى معاناة كبيرة لها مخلفات خطيرة على صحته النفسية والانفعالية والعقلية وأيضا على علاقاته الاجتماعية، لأنه ليس سهلا أن يجرد الشخص من حريته لأكثر من خمسة وعشرين سنة، وأن يسترجع مجددا ربط علاقات اجتماعية ويضع الثقة في الطرف الآخر ويسترجع ثقته في نفسه من جديد لأن الإنسان الذي جرد من حريته أول شيء فقده هو الثقة في الآخر والثقة في نفسه وأقرب الناس إليه، لأن من آذاه هو الجار الذي كان من المفروض أنه هو من يحميه وليس يؤديه.
وتساءلت المتحدثة "كيف لإنسان كهذا أن تكون لديه الثقة في الغير والمحيط، وأن تكون له الثقة في الغد؟ خاصة وأن الحاضر والمستقبل فيه هاجس وخوف كبير لما ينتظره".
وتابعت ''أنه بعد العثور مجددا على هذا الشخص، فهنالك واقع آخر مرير ينتظره، خاصة وأنه قد فقد العديد من الأشخاص منذ غيابه، مثل والدته رحمها الله وآخرين من محيطه، فضلا عن تغير جميع المعالم التي تعود عليها قبل الاختطاف، لأن هنالك حياة قبل الاختطاف وحياة أخرى بعده".
وأضافت "وهذه الحياة الجديدة لن تكون سهلة أبدا بالنسبة له، لأن هذا الإنسان الذي كان في عزلة تامة عن الحياة الاجتماعية والإنسانية، وتُفرض عليه إعادة الاندماج واسترجاع معالم الحياة العادية (والتي ليست سهلة) لأن هذا الشخص محتاج إلى مرافقة ومتابعة من الناحية النفسية، العقلية وكذا الصحية".
تساؤلات لن يكشفها سوى التحقيق
من جهته، أوضح المختص الاجتماعي، كمال العيادي، في تصريح لـ "الخبر"، أنه فيما يتعلق بموضوع اختفاء شخص لقرابة الثلاثين سنة مرتبط بعدة فرضيات لا يمكن كشفها سوى من طرف التحقيق، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن أنه طوال مدة اختفائه كان برفقة جاره.. هل خرج أم لا؟ وفي حالة أنه لم يخرج، فإنه يعتبر سجينا أو لحاجة في نفس من كان معه، وإن لم يكن كذلك، ففي المسألة العديد من الشكوك لأنه من غير المعقول أن يكون الشخص أمام أعين جاره طوال هذه المدة دون أن يزو طبيبا أو يراه أحد.
وأردف العيادي أن السؤال الذي يتردد هو هل سألت عليه العائلة طوال هذه المدة؟ لأن الشخص الذي أخفاه إما أن يكون مريضا عقليا أو يحمل خصومة معه ومع عائلته، أراد من خلال ذلك الانتقام منه ومن عائلته. وهل هذا المحجوز في صحته العقلية أو فاقدا للذاكرة، وفي هذه الحالة لا عجب من أن يبقى طوال هذه المدة طالما أنه لا يعرف من يكون ومن أين هو.. شغله الشاغل هو الأكل، الشرب والنوم ليبقى على قيد الحياة وجميع هذه الفرضيات سيكشف عنها التحقيق الأمني خلال الأيام القادمة.