أخذت قضية الخريطة المزيفة أبعادا دولية منذ أن أصر الطرف الجزائري الذهاب بعيدا في الدفاع عن "المبدأ" الذي تخلت عنه العديد من الاتحادات الإفريقية، مرغمة أو طواعية، بنفس الشكل الذي تخلى فيه عن "المبدأ" عدد من المحسوبين على الإعلام الرياضي الجزائري، ممن يجتهدون لضرب مساعي "الفاف" لكشف عورات المغرب وإبراز تعديه على مبادئ الاتحاد الإفريقي، وكأن بهؤلاء إعلام مغربي أو أنهم اختاروا خدمة المغرب على حساب الجزائر.
ولأن قضية "المبادئ" سقطت "قسرا" من قاموس مرتزقة الإعلام، ممن تحتفظ ذاكرة الكرة بصحة اتجاه "البوصلة" في قضية كاروف سنة 1993، أو أولئك المختبئين في قطر من هواة الانبطاح للوبي الإعلامي المغربي حفاظا على لقمة العيش دون أن يجرؤ البعض منهم (إلا قلة قليلة) على تدويل القضية الجزائرية دوليا، فإن الحملة المغرضة ضد الجزائر من باب إلصاق "تهم" بالفاف لا يمكنها سوى الجزم بأن هؤلاء المغامرين خانتهم الإرادة والكفاءة للإلمام بكل التفاصيل ونقلها بأمانة للرأي العام، وقد كشف مسلسل الأحداث بأن الحقيقة في واد وطرح هؤلاء في واد آخر.
وأمام ارتفاع مستوى الطرح، بالحجة وبالسند القانوني، إلى أعلى المستويات، فقد غابت "الأبواق" لفترة من الزمن، حتى اجتمع هؤلاء على تسويق طرح واحد يحيد عن الحقيقة بالقول إن اتحاد الجزائر خسر قضيته على مستوى التاس مثلما خسرت الفاف القضية على مستوى محكمة لوزان، رغم أن الحقيقة الثابتة أن القضيتين بصدد الدراسة من طرف قضاة محكمة لوزان، لأن ما تم رفضه هو تجميد نهائي كأس الكاف وليس القضيتان.
وما لا يقله حماة المصلحة المغربية من المحسوبين على الإعلام الجزائري أن الطرف الجزائري نجح، على الأقل، في تدويل قضية جمهورية الصحراء الغربية، بدليل أن صمود الفاف واتحاد الجزائر، ورفع القضية إلى محكمة التحكيم الدولي، أفضى إلى "تحرك" الهيئة الكروية الدولية التي تابعت القضية، وقررت توجيه "أوامر" للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم لإحداث تعديل فوري على قانون الألبسة لـ"الكاف" وجعله متطابقا مع ما ورد في قانون ألبسة الفيفا، حتى تنهي الجدل القائم بشأن ترك ثغرات "عمدا" تسمح لبعض الاتحادات، على غرار الاتحادية المغربية، بالمراوغة واستغلال كرة القدم لأغراض سياسية.
ولأن قانون الألبسة لـ "الفيفا" يقطع الشك باليقين ويغلق كل المنافذ للشعارات السياسية أو السطو على الحدود والأقاليم، فإن ذلك الأمر الذي تم توجيهه للكاف يعتبر في حد ذاته اعتراف ضمني بأن الجزائر على حق في قضية "المبدأ"، وبأن الكاف التي تم "اختطافها" من قبل المغرب، ارتكبت خطأ جسيما بتمكين نادي نهضة بركان من وضع خريطة مزيفة على قمصان لاعبيه، رغم تعارض ذلك مع لوائح الكاف وقانون ألبستها ومع قوانين الفيفا وبورد والميثاق الأولمبي.
ورغم أن رئيسة محكمة لوزان أخطأت برفضها تجميد نهائي كأس الكاف، رغم وضوح المادة 37 من قانون التاس، إلا أن ذلك لا يعني رفض قضيتي اتحاد الجزائر والفاف، لأن ما حدث هو اختيار رئيسة المحكمة إحالة الملفين على تشكيلة من القضاة دون تجميد النهائي، بمعنى أن دراسة القضيتين في الموضوع سيتواصل على أن يتم الفصل فيه بداية شهر جوان أو منتصفه على أقصى تقدير. وقياسا بقوة الملف الجزائري، سواء تعلق الأمر بقضية الفاف المتعلقة بالخريطة المزيفة أو بقضية اتحاد الجزائر المتعلقة بأحقيته بتنشيط النهائي بدلا من نهضة بركان، فإن حظوظ كسب القضيتين كبيرة جدا، وسيكون أي فوز محتمل بمثابة "انتصار المبدأ"، وهو الأمر المهم الذي يصر من سقط عنهم هذا المبدأ الترويج له.
وحتى وإن كانت فرص إعادة النهائي ضئيلة أو منعدمة حتى في حال كسب القضية على مستوى التاس، فإن إسقاط قرارات الكاف غير القانونية ستكون بمثابة أكبر انتصار للجزائر، وهو انتصار، في حال ما تحقق، سيُحدث زلزالا على مستوى "الكاف" التي غاب عنها لسنوات عضو منها يملك الجرأة على مقاضاة الهيئة الكروية القارية وكشف تجاوزات المغرب أمام الرأي العام الدولي.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 59 البند 01 من قانون ألبسة "الكاف" ينص على ما يلي "إشهار الممول، إلى جانب كل رسالة ذات طابع سياسي أو أي طابع آخر، ممنوع على القمصان الخاصة المستعملة في أرضية الميدان"، بينما نجد في قانون ألبسة الفيفا وضوحا لا يترك أي مجال للتأويل أو التحايل، مثلما توضحه المادة 10 البند 3 الفقرة 6 التي تنص على ما يلي "أي عنصر للديكور يجب أن يمثل وجه أو هوية شخص، شكل بلد أو إقليم، أو حتى ترك الانطباع على ذلك".
وأمام هذا الوضوح الذي تقطع فيه الفيفا الشك باليقين، فإن البعد الدولي لقضية الفاف واتحاد الجزائر بشأن تعمد المغرب وضع خريطة مزيفة على قمصان نادي نهضة بركان المغربي تغتصب فيه الأراضي الصحراوية بما يتنافى مع القوانين الرياضية ومع خريطة الأمم المتحدة ومع القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي، جاءت ردة فعل الهيئة الكروية الدولية لتضغط على الكاف وتبرز تماديها في الدوس على القانون وتمنعها من السماح بأي تعدّ على الأقاليم، من خلال إرغامها على تعديل قانون ألبستها بجعله متطابقا مع قانون الفيفا، وهو ما يعتبر ضربة موجعة للمغرب وللكاف ويقدم مؤشرات قوية على أن "التاس" لن "تخطئ" التقدير بعد دراستها للقضيتين، حتى لا يكون قراراها متناقضا مع القوانين الرياضية الدولية وحتى لا يتحول أي قرار "خاطئ" إلى مرجع للقياس على المستوى الدولي فيما يتعلق بالنزاعات على الأقاليم التي يسوق لها حتما بعض الأندية والاتحادات عن طريق قمصان اللاعبين.