مهرجانات السينما.. هل ستعيد الروح للفن السابع في الجزائر؟

38serv

+ -

المتابعون للشأن الثقافي والفني في الجزائر، وبالضبط السينمائي، يلاحظ نشاطا وحركية في تنظيم المهرجانات السينمائية، التي عادت مؤخرا لتحيي الساحة السينمائية الجزائرية التي انتعشت، خاصة مع صدور قانون الصناعة السينيماتوغرافية، فبعد مهرجان عنابة للفيلم التوسطي، جاءت أيام سطيف السينمائية، فمهرجان ايمدغاسن السينمائي الدولي، وقريبا مهرجان وهران للفيلم العربي.. وهي الفعاليات التي نظمت تقريبا في فترات متقاربة جدا، "الخبر" تفتح النقاش رفقة نقاد حول قدرة هذه المهرجانات على إعادة السينما الجزائرية للواجهة، النقائص، والتحديات.

اعتبر الكاتب والناقد السينمائي جمال محمدي أنه قبل الحديث عن المهرجانات السينمائية الجزائرية التي تنظم بصفة غير منتظمة، التي يفترض بأن تعد من وسائل القوة الناعمة وشكل من أشكال الدبلوماسية الثقافية، أن أي مهرجان دولي ترعاه وتدعمه الدولة، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذه البديهية، وقال في تصريح لـ "الخبر" إنه إلى جانب كونه مهرجانا سينمائيا، لكن بهذا المعنى يصبح عنوانا وواجهة للجزائر، قبل الحديث عن أهمية مواعيد إقامتها وضوابطها الفنية واللوجيستية التي تعد - حسبه - أساس نجاح أي تظاهرة سينمائية، وهي القاعدة التي تأخذ بها أغلبية المهرجانات العريقة، ولا يعمل بها محافظو ومديرو المهرجانات السينمائية عندنا، على غرار مهرجان القاهرة، وأبوظبي، ومهرجان البحر الأحمر، والجونة مؤخرا.. قائلا "نحن لا نتكلم هنا عن مهرجان كان، وفينيسيا وبرلين وغيرها التي تحكمها ضوابط لم يتغير شعارها السينما وحسب، نقول هذا ليس تقليلا من إمكانيات الدولة الجزائرية، ولكن بالطريقة والارتجالية التي تدار وتنظم بها مهرجاناتنا السينمائية التي تكاد تكون مناسباتية أكثر منها مواعيد سينمائية دولية وإقليمية تجلب إليها أنظار صناع السينما، لاسيما مهرجان وهران ومهرجان عنابة باعتبارهما يدخلان في هذه الموازنة" .

 

المهرجانات السينمائية ليست البساط الأحمر بل دعم للخزينة العمومية

 

أكد محمدي في السياق ذاته أنه جد متفائل بعودة هذه المهرجانات واهتمام الدولة بواجهة السينما عبر مختلف المهرجانات والأيام السينمائية الأخرى، مثل أيام بجاية، وإمدغاسن، وسطيف مؤخرا، لكن بالمقابل - يقول الناقد - نصطدم بالصدى السلبي والابتذال لبعض هذه المهرجانات بسبب غياب الرؤية الفنية والآفاق المنتظرة منها لتحقيق الخصوصية التي يجب أن تنفرد بها هذه المهرجانات دون غيرها.

وحسبه؛ فإن المهرجانات السينمائية ليست البساط الأحمر، والفنادق الفاخرة، والسيارات الفارهة، وضيوفا عابرين، بقدر ما هي محتوى سينمائي هادف ومتزن يحقق الإشعاع الثقافي للبلد المنظم، ويزيد من دعم الخزينة العمومية والصناعة السينماتوغرافية، وهي الأشياء المغيبة أو الغائبة في مختلف طبعات وهران وعنابة على وجه التحديد؛ لأنهما يمثلان حتى الآن الواجهة السينمائية الجزائرية، يضيف محدثنا. 

وأوضح محمدي أنه يقول هذا الكلام على لسان صناع ومحبي السينما الجزائرية والغيورين على مجدها الضائع، لأن هذه المهرجانات تنقصها الخبرة الفنية والتقنية التي تستوعب وتلبي آمال السينمائيين الفاعلين من حضور هذه المواعيد السينمائية؛ لأن القائمين عليها لا يملكون الأفق والتصور وأهداف المهرجان في حد ذاته.

قائلا: "في جميع المهرجانات هناك أمانة دائمة للمهرجان، وموقع يشتغل على مدار الساعة يمد المهتمين وغير المهتمين بكل المعلومات الخاصة بالأفلام المعروضة والتي من المنتظر عرضها في الطبعة اللاحقة"، مسترسلا "أين هو التميز في فقرات التقديم، أين الإبداع والروح الجزائرية الخالصة، أين الإشعاع الذي من المفترض أن يقدمه المهرجان للجزائر، ومدينة المهرجان نفسها؟ أين هي النجوم والقامات السينمائية التي يمكنها رفع مستوى المهرجان وإيصاله للعالمية؟ أين هم المراسلون ذوو المستوى العالي من التغطية والمتابعة لوقائع المهرجان؟ كم من جريدة أو قناة تغطي وقائع هذا المهرجان؟".

 

الانغماس في الأمور الإدارية تجعل التظاهرة مناسبة كرنفالية

 

تحدث محمدي عن مهرجاني وهران وعنابة قائلا: إن "المحافظ لا يباشر مهامه سوى في ربع الساعة الأخير، الغموض يكتنف المهرجان حتى آخر يوم، لجنة التحكيم لا يعلن عنها كذلك إلا في آخر لحظة، انغماس المنظمين وراء توجيهات الإدارة التي جعلت من هذين المهرجانين مناسبة كرنفالية، عنصر السينما فيها آخر الاهتمامات، فكيف يريدون لمهرجان بهذا النحو من التنظيم والأفق الضيق أن يشع ويستمر ويصبح له صيته العربي أو الإقليمي أو الدولي؟"، وأضاف:" كنا ننتظر أن يستدعي من أوكلت لهم إدارة هذين المهرجانين لنقاش كل التجارب السابقة ونقائصها، غير أن ذلك لم يحدث، حتى أصبح المؤثرون ونجوم الدراما هم من تفرش لهم السجادة الحمراء بدل الأسماء الوازنة في عالم السينما وصناعها وفاعليها، والأكثر من ذلك تغييب النقاد السينمائيين وإعلام الصحافة الفنية الذي يفترض أن يكون أحد ركائز هذه المهرجانات؛ من خلال القراءات النقدية وتقريب محتويات العروض للجمهور.. ولا نتكلم هنا عن غياب الندوات، يؤكد الناقد محمدي، المصممة خصيصا بما يخدم المهرجان، ولا عن المنشورات من الكتب التي من المفترض أن تطبع وتوزع بالمناسبة، وبذلك يحرم الجمهور الواسع من محبي السينما وصناعها ويغلق على الأفلام والتجارب السينمائية الناجحة من مختلف الدول من فرصة المشاركة في إثراء محتوى ما يقدم من أفلام والتعرف عن قرب بما ينتج هنا وهناك، وبالتالي وحسبه، تفشل هذه المواعيد في ترسيخ فكرة المهرجان وترقب طبعاته اللاحقة، بدليل العودة إلى الإحصائيات المخيبة على الصفحات والمواقع الرسمية لهذه المهرجانات التي تكتفي بالترويج للنجاح الوهمي للمهرجان ولم تكن سببا لشراكة أو إنتاج أو تسويق فيلم سينمائي يساهم في دعم السينما من جديد".

وختم جمال محمدي كلامه بالقول "لعله من المفيد أن نهمس في آذان السلطات المعنية والمنظمين الحاليين بكل روح المسؤولية؛ أن يراجعوا مستوى أدائهم في كل المهرجانات السينمائية الجزائرية، وأهدافها والمنظمين والقائمين عليها؛ لأنه من العيب والعار أن تمرغ سمعة بلد السعفة الذهبية ورائدة السينما العربية والإفريقية إلى هذا المستوى من العبث والرداءة في تنظيم مهرجان سينمائي لا يكون بالضرورة بمستوى مهرجانات العالم، ولكن يحاكي بصورة أقرب منها لما يجب أن يكون؛ لأننا لا نشك في نواياهم وإرادتهم وحبهم كذلك للسينما، ولكن فقط من أجل أن تبقى شعلة السينما الجزائرية متقدة.

 

غياب هيئات إدارية متخصصة جعل المهرجانات تميل للتقليد والارتجال

 

من جهته، اعتبر الناقد السينمائي محمد عبيدو أن وجود عدد من مهرجانات السينما في الجزائر أمر صحي ومهم ويخدم النهوض بالقطاع السينموتغرافي، وقال في تصريح لـ "الخبر": إن المهرجان أو اللقاء السينمائي هو فرصة للحوار والتواصل بين أهل المهنة، وفرصة لتقديم الأفلام المتميزة والمختلفة للجمهور، ونقاش المبدع مع جمهوره وأيضا وصول السينما إلى مناطق خارج العاصمة، وعبره تم تشجيع إنتاج الأفلام المحلية وإصدار الكتب المختصة بالسينما.

وذكر عبيدو أن تقارب مواعيد المهرجانات تحكمها اعتبارات وظروف عدة، منها عودتها بعد توقف لسنوات من إغلاقات كورونا، كما تعكس ببعض أوجهها الإشكالات التي تعاني منها مهرجانات السينما الجزائرية التي من أهمها، غياب هيئات إدارية وتنظيمية متخصصة تمتلك تراكم خبرات سنوات من العمل، مما جعلها تميل إلى الارتجال والتجريب والتقليد. 

عدد عبيدو جملة من فوائد مهرجانات السينما، وقال إنها تطرح موضوع تقلص عدد صالات العرض من حوالي 400 قاعات في بدايات الاستقلال، إلى عشرات فقط، حيث تتكرر دعوة الجهات المعنية كوزارة الثقافة والبلديات لترميم قاعات السينما المغلقة، أو إنشاء أخرى جديدة في مدن تقام بها مهرجانات وتظاهرات سينمائية وليس بها سوى قاعة واحدة ناشطة هي قاعة "السينماتيك"، مما يضطر المنظمين لبعض المهرجانات إلى عرض الأفلام في بعض المسارح ودور الثقافة، في ظل غياب القاعات المخصصة للعروض في بعض المدن.. "ويبقى موضوع القاعات السينمائية جزءا أساسيا من الانشغالات والحوارات حول قضايا وإشكالات الواقع السينماتوغرافي بالجزائر ودعوات النهوض به".

كما يرى عبيدو ضرورة أن يتم تنظيم مهرجانات سينمائية في ولايات الجنوب ومناطق الظل، مثل ولاية تندوف التي احتضنت العام الماضي بانوراما أفلام الساحل والصحراء: "وأتمنى أن تستمر وتتحول لمهرجان سنوي، وولاية بشار التي كان بها تجربة سابقا مع الفيلم القصير بتاغيت، وواد سوف وحاسي مسعود وغيره من مدن الجنوب الكبير، لخلق توازن جهوي، ولاستغلال الخبرات الإبداعية المغيبة فيها، والإضاءة أيضا على حضورها الثقافي والسياحي".