"القيد رقد كان لاصق"، "جزائري يهدي زوجته نجمة"..وغيرها، جميعها محتويات صنعت ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الاونة الأخيرة وحققت نسبا عالية من المشاهدات في وقت قياسي رغم تفاهتها، في الوقت الذي أضحت فيه الأخبار والمواضيع المهمة لا تحصد سوى عدد قليل من المتابعة ، فلماذا أصبح الجزائريون الذين يعيشون في الواقع الافتراضي ينساقون وراء التفاهات؟ وهل لهذه الظاهرة دواعي نفسية واجتماعية؟
الجزائريون على غرار شعوب كثير من دول العالم، باتوا يولون اهتماما كبيرا، للتواصل من خلال الوسائط التكنولوجية، حيث أضحت تحتل حيزا معتبرا من الوقت والجهد لمتابعة المحتويات التي تعرض مختلف الفئات وتبث قيم ورسائل دخيلة على المجتمع، وتصل في أحيان كثيرة إلى درجة المساس بأخلاقيات ومبادئ المجتمع، خاصة وأن مواقع التواصل الاجتماعي شجعت على سطحية التفكير ففي ظل هذه الشبكات أصبح ذلك الشخص التافه محط الأنظار وذلك بازدياد ما يروجه من تفاهات، حيث كلما زادت مستويات التفاهة عند الجمهور كلما ازدادت أرباح هؤلاء.
وقد أثار فيديو تقديم جزائري نجمة في السماء لزوجته، بلبلة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما تداوله معظم الناشطين والصفحات، وبات يشكل "ترند" وصل صيته إلى غاية وسائل الإعلام العالمية، رغم عدم أهمية الموضوع وهو الأمر نفسه لقصة "القيد رقد" وهو عبارة عن تسجيل صوتي لحديث أحد "الحراقة" الجزائريين، تداوله العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي رغم تفاهته، بالإضافة إلى انتشار الكثير من المحتويات التافهة التي لا تدعوا إلى البلبلة الحاصلة.
"الملل سبب إقبال الجزائريين على تفاهات السوشال ميديا"
يرى المختص الاجتماعي نور الدين بكيس في تصريح ل "الخبر" أن انتشار التفاهة على شبكات التواصل الاجتماعي وإقبال الكثير من الجزائريين بأعداد كبيرة جدا على استهلاك هذا النوع من المواد يعتبر طبيعيا جدا لان حياة الجزائريين فيها الكثير من الملل ولا تحمل رهانات حقيقية، خاصة وأنه لا يوجد في الجزائر رهانات قد تجعل الكثيرين يلتفون حول مشروع كبير أو حتى مشروع مجتمع يمكن أن يتحدثوا عنه وبالتالي فان الجزائريين وكأنهم مجموعة من الأفراد مبعثرين كل يبحث عن تحقيق مصلحته الشخصية دون الالتزام بشيء جماعي والأخطر من ذلك انه حتى التوقيت الإجباري في أماكن العمل والدراسة لا توجد فيه جدية وبالتالي هناك وقت فراغ كبير يدفع الكثير منا إلى محاولة الهروب من الواقع لأنهم يشعرون بالملل.
وتابع " في وقت الفراغ يبحث الجميع عن مواد لا تجعلهم يفكرون وإنما يبحثون عن الترفيه والتسلية ويتبادلونها وكأنهم يعلنون بأنهم في حاجة إلى حياة جدية وان هذه الحالة غير طبيعية لأنه في حالة لو سألنا الكثيرين عن سبب تعلقهم بهذه المحتويات يخبروننا أنهم يريدون الهروب من التفكير الأمور الجدية ولا يريدون الاهتمام بالسياسة أو المجتمع المدني ولا غيرها من المواضيع على أساس أنهم ضحايا ويعانون من حالة الفراغ وعدم وجود رهانات حقيقية خاصة وأننا مجتمع شبابي (اكثر من مليون شاب اقل من ربعة وعشرين سنة) وجميعهم يتمتعون اليوم بحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي وبالتالي فان إقبالهم كبير على هذه المواقع )، بالإضافة إلى نسبة البطالين المرتفعة الذين يبحثون عن تمضية أوقات الفراغ والتسلية. لذلك اليوم نحن في حاجة إلى حياة جادة لا نجدها اليوم في المجتمع الجزائري".
وكشف بكيس أن غالبية من يهتم بالمناشير والفيديوهات التافهة يعلنون صراحة أنهم يعلمون بأنها تافهة وبأنهم اختاروا هذه الوضعية وهذا النوع من تبادل المحتويات لأنهم يشعرون بالعجز وبنوع من القهر وأنهم غير قادرين على تغيير واقعهم. مشيرا إلى أن الكثير من الجزائريين يهربون من مشاهدة الفيديوهات التي تحدثت عن غزة بعدما استشعروا أنهم عاجزين وتعبوا من رؤية مشاهد الدمار ومشاهد الجرحى والقتلى والدماء والضحايا هذا الوضع من العجز هي التي تخلق البيئة التافهة ويالقابلية لاستهلاك مثل هذه المواد، لذلك فبكل بساطة نجد إقبال جنوني على متابعة كرة القدم في الجزائر بشكل غير طبيعي، الأمر الذي يؤكد ظاهرة الفراغ الذي يعاني منه الجزائري عموما. وجاءت شبكات التواصل الاجتماعي لتحقق لهم ذلك وتنقذهم نسبيا وتوفر لهم على الأقل حالة من الهروب المؤقت من المواقع المزعج.
" مواقع التواصل الاجتماعي مرآة عاكسة للمجتمع"
من جهته، قال المختص الاجتماعي كمال العيادي في حديثه مع "الخبر" أن مواقع التواصل الاجتماعي بكل الأدوات وفي مختلف المواقع تعكس واقعا اجتماعيا محددا يعكس مستوى ثقافيا ومعرفيا وعلمي اتطرح فيه مختلف الانشغالات العلمية والمعرفية، مبرزا أننا للأسف نشهد اليوم واقعا يعطي الأولوية لأمور تافهة لا قيمة لها على حساب أمور حساسة وإستراتيجية تتعلق بالمستقبل."
واشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست سوى مرآة عاكسة للمجتمع، ولذلك في حالة ما أردنا القيام بمضامين علاجية لمحتويات هذه المواقع علينا التوجه بالدرجة الأولى إلى إصلاح الواقع والتأثير فيه وتغييره بالشكل الذي يمنح لنا نوع من الايجابية لتناول مختلف المواضيع من حيث أولويتها وهو الأمر المطلوب بالدرجة الأولى.
وأفاد المختص الاجتماعي أن مختلف الشبكات ليست سوى أدوات تعكس وتطرح مختلف ما هو متناول في هذا الواقع واليوم هنالك حديث عن نسب مشاهدة ومدى إقبال وتفاعل الناشطين، الذي يبين تفاعل الفرد مع هذه الأدوات، لذلك ينبغي علينا بالدرجة الأولى العمل على إرساء قيم جديدة تعطي قيمة لمضامين والمحتويات الأساسية بالنسبة للفرد وهذا ما يجعله يهتم مستقبلا بالانشغالات ذات الأولوية والمضامين الأساسية التي تتعلق بأشياء مهمة تتعلق بالرقي والتنمية.
وأوضح المتحدث أنه لا يمكن الفصل بين الواقع ومواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أنه ينبغي على المختصين في مختلف الجهات المسؤولة أن يعملوا على ضبط قيم مجتمعية وثقافة إنسانية تعنى بإرساء مختلف القيم الراقية التي تدعو إلى التطور والتنمية المستدامة بعيدا عن السطحية والسلبية ووجهات النظر الضيقة التي لا تصلح سوى للاستهلاك الآني ولا ترقى إلى أن تكون ذات بعد مستقبلي الذي يخدم الوطن والفرد بدرجة أساسية.
وذكر العيادي أن كل المؤسسات التربوية والتعليمية والدينية لها دورها في هذا الشأن وعليها أن تعمل بجد في إعطاء الأولوية ودفع الفرد إلى الاهتمام بالأمور المهمة والبعد عن التفاهة التي لا تعدوا إلى أنها مجرد استهلاك أني للترفيه وليس أكثر.