سجل خبراء وأكاديميون على غياب حرية الصحافة والتعبير في العالم، مؤكدين أن التباين بين تغطية الحرب في أوكرانيا والعدوان على غزة، فضح سياسة الكيل بمكيالين التي تعتمدها وسائل الإعلام الكبرى التي تعمل على توجيه الرأي.
قال ماجد نعمة، مدير مجلة "أفريك أزي"، في ندوة نظمتها الإذاعة الوطنية تحت عنوان "حرية الإعلام وازدواجية المعايير"، أن حرية الصحافة والإعلام غائبة في العالم الغربي اليوم. فحتى البرلمانيين باتوا يستدعون إلى القضاء والشرطة نظير تصريحاتهم ومواقفهم من القضايا الداخلية والدولية، مستدلا في هذا السياق بواقعة النائب ماتيلد بانوا، رئيسة المجموعة البرلمانية لحزب فرنسا الأبية، التي استدعيت للتحقيق معها نظير مواقفها من أحداث السابع من أكتوبر.
ولفت أن الإعلام الغربي يمارس تضليلا واضح المعالم للتستر على ما يرتكبه الكيان الصهيوني من مجازر وإبادة في حق الفلسطينيين، وذلك من خلال تحويل النظر عن الحقائق وتغييرها أو تفادي الحديث عن المجازر المرتكبة.
وفي تعليق على سؤال حول ما إذا كانت وسائل الإعلام الغربية موجة للأحداث العالمية، أم أنها هي بدورها ضحية توجيه أو نقص في المعلومة، قال البروفيسور أحمد بن سعادة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن وسائل الإعلام الكبرى طالما مارست البروباغندا لتوجيه الرأي العام العالمي، خاصة في فترات الأزمات والحروب، ومن أبرزها، حسبه "واشنطن تايمز"، "بي.بي.سي"، "سي.أن.أن"، "فرانس24"، فهي لديها الوسائل اللوجستية والمادية وعدد معتبر من المتابعين يمكنها من التأثير والترويج لأطروحات وسيناريوهات تتناسب مع توجّهاتهم، مستدلا في حديثه بسياسة الكيل بمكيالين بين ما وقع في حرب أوكرانيا وما يحدث من عدوان على الفلسطينيين.
ولفت في السياق إلى تعمّد وسائل الإعلام الكبرى، استعمال مصطلحات محدّدة لتوجيه الرأي العام، من بينها استعمال عبارة "الموتى الفلسطينيين" عند الحديث عن ضحايا العدوان الإسرائيلي مقابل عبارة "الإسرائيليين المقتولين"، إلى جانب تلقيب "حماس" بالإرهاب.
من جانبه، قال حسان قاسيمي، الخبير في المسائل الأمنية "إن الإعلام أداة قوة اليوم إلى جانب الاقتصاد والتجارة، والإنتاج في هذا المجال هو إنتاج علمي يسعى للتوجيه والقولبة وفرض تفسيرات معيّنة على الأحداث العالمية، فمثلا في قضية فلسطين جعلوا من الضحية جلادا، والعكس صحيح لتبرير العدوان الإسرائيلي".
وفي تعليق على سؤال وكيفية مواجهة البروباغندا أو محاولة صدها، أكد ماجد نعمة، على ضرورة العمل على تفكيك ومواجهة وصدّ خطاب وسائل الإعلام الكبرى التي تعمل خارج أخلاقيات المهنة وتسعى لتوجيه الرأي العام والتحكّم فيه بالترويج لسيناريوهات وسرديات كاذبة ومفضوحة، و هو ما يبرر، حسبه، استثمار رجال المال في وسائل الإعلام.
وفي حديثه عن التأثير المترتّب عن نشر الأخبار الكاذبة وآثار الازدواجية في المعايير والإعلام الكاذب، قال بن سعادة "إن التوجيه ليس من اليوم ولدينا تجارب سابقة تاريخية مثل ما وقع خلال غزو العراق تحت مبرر وجود السلاح النووي الذي تبيّن لاحقا أنه كذبة اتخذت كذريعة لغزو العراق"، لافتا إلى أن الغرب يعتمد على فكرة "من يرحب بالحرب هو من لديه أفضل قصة يرويها".
الكذب لم يعد ينفع
ورأى ماجد نعمة، أن الإعلام الكاذب يقترب من نهايته، وأن الإسرائيليين أنفسهم بدأوا في انتقاد إعلامهم بعد أحداث السابع أكتوبر، مؤكدا أنه لا يمكن الاعتماد على حبل الكذب طوال الوقت. بالمقابل نبّه بن سعادة إلى أن الكذب لا يزال مؤثرا في توجيه الرأي العام نظرا لوجود مخابر للعلوم الحديثة تعمل على إيجاد طريقة علمية لإقناع المتلقي بطريقة علمية بالرواية التي تطرحها وتروّج لها وسائل الإعلام.
وأكد أحمد بن سعادة، أن وسائل الإعلام الكبرى عالميا، تعود لمجموعات صناعية كبرى تتحكم في الإعلام والسينما وفي رجال أعمال، ولا يهمهم المعلومة في حد ذاتها، ولكنهم يتحكمون فيها بعيدا عن أساسيات المهنية.
وعبّر حسان قاسيمي، عن قناعته بعدم وجود حرية الصحافة في العالم اليوم، فقوة المال هي التي تتحكم في الإعلام، وخلف بايدن توجد منظمات غير معروفة تنظّم الحروب والأزمات وعدم استقرار الدول، هم من يضعون السيناريوهات ونموذج عمل تلك المنظمات الداعمة للكيان المحتل معقد وسري للغاية، لأنها غالبا تعمل عبر وسطاء مما يجعل تتبع الأموال أصعب.
وخلص قاسيمي أنه في ظل تسابق السلطة وأصحاب المال والأعمال لامتلاك وسائل إعلام خاصة بهم، تصبح حرية التعبير ثانوية مقارنة بمصالح سياسية واقتصادية وتجارية لا تؤمن بالصحافة كمهنة ورسالة، بل سلاحا للتأثير على الرأي العام ودفعه نحو توجّهات بعينها وتدجينهم ليؤمن بمصالحه الفردية الضيقة لا المصلحة الجماعية".