يواصل الطلبة الجامعيون حراكهم عبر عدد من البلدان تضامناً مع فلسطين، مطالبين بوقف الإبادة الجماعية ضد أهالي قطاع غزّة، وسط تجاوب كبير من الجامعات حول العالم، حيث تمكنت القضية الفلسطينية من تسجيل نقاط كثيرة لدى الرأي العام الدولي الذي بدأ يتعاطف معها ويدرك حقيقة صراع الشعب الفلسطيني من أجل الانعتاق من الاستعمار الصهيوني ليخسر بذلك الصهاينة معركة الرأي العام.
ففي جامعة كولومبيا الأمريكية التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات الطلابية، يصر المتظاهرون على البقاء في مبنى "هند" في جامعة كولومبيا ولن يتراجعوا، رغم أنهم يجازفون بمستقبلهم الدراسي أمام تهديد الإدارة والشرطة لهم بالطرد والاعتقال. وحمّلوا مسؤولية إصابة العديد من الطلبة المعتصمين لمجلس الجامعة الذي سمح للشرطة بالدخول وتعريض حياة الطلاب للخطر.
وعطّل محتجون مؤيدون لفلسطين لمدة وجيزة حفل تخرُّج بجامعة ميشيغان، أول أمس، بينما اشتبك متظاهرون مع الشرطة في جامعة فرجينيا. ويطالب المحتجون جامعاتهم بسحب استثماراتها من الشركات التي تدعم الحكومة الصهيونية مثل شركات توريد الأسلحة.
وفي السياق، دعا مسؤولو وحدة الأمن بجامعة فيرجينيا، في منشور عبر منصة إكس، الطلبة إلى "الابتعاد عن مناطق معيَّنة"، وسط انتشار ملحوظ لقوات الشرطة في الحرم الجامعي.
وردا على تزايد القمع ضد الطلبة، أصدرت مجموعة قدّمت نفسها باسم "مخيم التضامن من أجل غزة" بيانًا ذكرت فيه أن إدارة جامعة فرجينيا "حوّلت الحرم الجامعي إلى منطقة عسكرية"، داعية إدارة الجامعة إلى قطع الاستثمارات المرتبطة بالكيان. واعتقلت الشرطة حتى الآن أكثر من 2000 متظاهر من جامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وعبّر مفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، عن انزعاجه من إجراءات إنفاذ القانون ضد محتجين في جامعات أمريكية، مؤكدا أن "الشرطة تدخلت بصورة غير ملائمة ضد الاحتجاجات".
بدورها، أفادت شبكة "سي أن أن" الأمريكية، بأن جامعة كاليفورنيا دعت الشرطة المحلية إلى مساعدة أعوان الأمن في الحرم الجامعي على احتواء، إما الاحتجاجات الطلابية المتواصلة تأييداً لغزّة وتنديداً بالعدوان الصهيوني على القطاع.
أما مجلة "نيوزويك" الأمريكية، فكشفت عن استطلاع رأي أجرته جامعة "هارفارد" الأمريكية المرموقة، سألت فيه الجامعة المشاركين عمّن يدعمون أكثر في الصراع في قطاع غزة، ووجدت أن أفراد الفئة العمرية بين 18 و24 عاماً، أو من يطلق عليهم بجيل "Z" ويعبّرون عن دعم متزايد لحركة حماس.
وحسب نتائج الاستطلاع، قال 43 بالمائة من المستَطلعة آراؤهم في هذه الفئة العمرية "إنّهم يؤيدون حماس".
وأشارت إلى أنّه في شهر مارس الماضي، أجرت ذات الجامعة استطلاعاً مشابهاً، وجدت فيه أنّ 37 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع من الجيل "Z" قالوا إنّهم يدعمون حركة حماس في الصراع.
وأكّدت المجلة الأمريكية، أن الاستطلاعين يظهران دعما متزايدا للحركة الفلسطينية وانخفاضا ملموسا في دعم الكيان الصهيوني، وهو ما يعكس خسارة معركة الرأي العام من طرف الكيان في معقل أقوى حلفائه الغربيين، الولايات المتحدة الأمريكية.
ويرى مراقبون أن حراك الطلبة في البلدان الغربية وفي رحم أعرق الجامعات في أمريكا وإنجلترا وألمانيا وأستراليا وكندا وفرنسا، هو بادرة للتغيير الذي سيطرأ على علاقة الغرب مع الكيان الصهيوني مستقبلا، إذ بدأ صوت الطلبة المتضامن مع فلسطين يكشف النقاب عما يعانيه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة جراء تواصل حرب الإبادة الجماعية التي يعجز العالم عن إيقافها، كما أعاد الحديث في أعمدة الصحافة حول الحق الفلسطيني المغيب في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وفي مقال له في موقع "هدف نيوز"، أشار الإعلامي الفلسطيني، غسان أبو نجم، أن ما يحدث اليوم من حراك طلابي متناغم في معظم بلدان العالم الغربي، يشكّل أداة ضغط فاعلة دفعت إدارة البيت الأبيض "إلى التنصل من حقيقة دورها الأساسي في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ودفعت مجرم الحرب نتنياهو إلى الطلب من حكومات الدول التي يجتاحها هذا الحراك وإدارة الجامعات، إلى التصدي لهذه الحركات، لأنها تساهم في كشف حقيقة الكيان الصهيوني وجيشه الإجرامي في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني".
وتابع قائلا "إن الحراك الطلابي العالمي يشكّل بداية النهاية لسقوط السردية الصهيونية التي هيمنت على الشعوب الغربية، ومدت جذورها في مؤسسات وجامعات وإدارات هذه الدول وساهمت وستساهم في كشف الأكذوبة الكبرى التي سوّقتها الحركة الصهيونية عبر عقود حول أحقية اليهود في فلسطين وكشفت زيف الديمقراطية الصهيونية عبر فضح دور الكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البنية الصحية والمجتمعية للشعب الفلسطيني ومحاولات التهجير القسري لهذا الشعب".
وأظهرت مقاطع مصورة، جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، عشرات الطلبة وهم يرتدون الكوفية الفلسطينية التقليدية وقبعات التخرج، ويلوّحون بالأعلام الفلسطينية أثناء سيرهم في الممر الأوسط لملعب ميشيغان في آن أربور، وسط هتافات من حشد يُقدَّر بالآلاف.
ولا شك أن التعاطف المتصاعد مع القضية الفلسطينية لدى دول الغرب كان لحراك الطلبة نصيبا فيه، بفضل استمراره وتحديه لمحاولات قمعه من طرف قوات الأمن التي استقوت بها إدارات الجامعات للجم صوت الطلبة المنادي "فلسطين حرة". هذا الشعار أضحى متداولا بشكل غير مسبوق، وأصبح مرادفا لدعم القضايا العادلة في العالم.