البريد، الوكالات السياحية، الجرائد الورقية، وكالات التسويق العقاري ..وغيرها، جميعها مهن باتت تهدد أصحابها بخسارة وظائفهم في المستقبل، وذلك راجع للتطور التكنولوجي الذي ألغى العديد من الوظائف في الوقت الذي ظهرت فيه مهن جديدة تتطلب مهارات تقنية عالية.
يعد تطور الذكاء الاصطناعي واحدا من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الحالي، فقد حقق هذا المجال انجازات كبيرة خلال السنوات الماضية، مما أدى إلى تغيير كبير في عدد من الوظائف وإنشاء أخرى، الأمر الذي جعل أصحاب المهن القديمة على اختلافها يصارعون من اجل البقاء أمام الانفجار التكنولوجي الذي غزى العالم، وغير الكثير من ملامح الحياة السائدة آنذاك، فما عدنا نرى بعض رواد المهن القديمة في الأسواق والمحال التجارية المنتشرة في المدن.
الوكالات العقارية والسياحية..
ومن الوظائف التي يطاردها الزوال إثر التطور التقني الذي أحدثته التكنولوجيا الجديدة، نجد المواقع الإلكترونية التي أثرت على أرباح وكالات التسويق العقاري التقليدية، وأصبحت بمثابة الصلة بين المشتري والبائع.
الأمر نفسه بالنسبة لمكاتب حجز بطاقات السفر والفنادق السياحية وترتيب الرحلات، مما يحول المواطنين إلى زيارة وكالات السفر، حيث باتت المواقع والتطبيقات تتيح للمتصفح القيام بمقارنة سهلة للعروض، وتنسيق الرحلة طالما أنها تحمل بطاقة مصرفية، وأن الزبون يعرف وجهته والهدف من الرحلة، فحاليا أصبح أغلب المسافرين بشكل منتظم يفضلون تنظيم الرحلات بشكل فردي، وذلك عن طريق الاستعانة بهذه المواقع والتطبيقات الغير مكلفة.
الصحف الورقية والكتب..
كما نجد من المهن المهددة بالاندثار، الصحف الورقية والمجلات التي باتت تتلاشى شيء فشيء في جميع أنحاء العالم، فعدا عن كلفة طباعتها وعدد العمال الذي يؤدون عملهم في هذا السبيل، فإن معظم القراء باتوا يتلقون الأخبار والمعلومات من تطبيقات على هواتفهم وكمبيوتراتهم المحمولة، ولم يعد من حاجة إلى أن يشتروا صحفا ورقية، وهذا ما تنبهت له المؤسسات الصحافية عاجلا، لتنتقل إلى عالم الإنترنت الواسع.
أما الكتب فهي موجودة في كل مكان على شبكة الإنترنت ويكفي تنزيلها على شكل pdf، ومجانا في كثير من الأحيان، لقراءتها، وهذا الأمر سينهي عمل مئات آلاف من عمال المطابع ودور النشر والصحف.
البريد..
وهو نفس الأمر المتعلق بساعي البريد الذي انحسرت مهنته أساسا، خاصة وأن جميع المؤشرات تبين أنهم لن يبقوا ليسلموا فواتير الكهرباء والماء والهاتف، لأنها ستصل مباشرة إلى البريد الإلكتروني.
وقد جلب التطور الإلكتروني الهائل معه خدمة الإيميل التي تسمح بتبادل المعلومات والأوامر في الحين دون تأخير، على عكس المراسلات الورقية التقليدية. أيضا يتوفر خيار التوقيع الرقمي، فبإمكان أي موظف أو شخص التوقيع على الوثائق أثناء تراسله مع الهيئات الرسمية مستعملا توقيعه الإلكتروني فقط.
النسيج..
رغم ارتفاع الطلب على الملابس الجاهزة إلا أن عدد عمال النسيج بات في تناقص الشديد، خصوصا في الدول المتقدمة التي يتقاضى فيها العمال أجورا كبيرة،الأمر الذي من شأنه تعويض اليد العاملة بالآلات، والتي وصلت لمرحلة متطورة تقوم فيها بجميع مراحل حياكة الملابس من التصميم إلى التغليف.
ولم تسهم التكنولوجيا في خلق فرص العمل بالواقع المادي فقط، بل ساعدت أيضا على تكوين فضاءات ووظائف عمل في مساحات الواقع الافتراضي، ونلاحظ هنالك استمرارية تفرضها التطورات التقنية من اجل دخولها المجالات الحياتية، وإنشاء وظائف ذات صلة بتلك التقنيات، وفي نهاية المطاف سيتم ولادة فرص عمل في الاقتصاد أكثر من الوظائف المفقودة.
وكما يقول المثل "من لا يتطور ينقرض"، حيث فرض هذا التطور التكنولوجي على الجميع مواكبته من خلال تطوير المهارات في المجالات التقنية التي تبني المستقبل، الأمر الذي من شأنه أن يفسح المجال لفتح مناصب شغل جديدة أمام مختلف القطاعات الواعدة .
'' اندثار مهن وظهور أخرى لا يدعو للقلق"
من جهته، أكد المختص الاجتماعي نور الدين بكيس في حديثه مع "الخبر" أن حركية المهن، تفرض اندثار مهن وظهور أخرى جديدة، حيث يعتبر هذا الأمر طبيعيا سيما وأنه مع حدوث كل تحول كبير تاريخيا يظهر معه نوع من الهلع الأخلاقي والمهني فيما يتعلق باندثار المهن وبالتالي بقاء فئات واسعة من دون مناصب عمل.
متابعا " وقد تعلمنا من التاريخ انه مع كل مرة يحدث فيها تطور هائل تكنولوجي أو أي شكل من أشكال التطورات الكبرى، يتابعه تكيف مع الظاهرة حيث تظهر وظائف جديدة وتطور في الأيدي العاملة حتى تتمكن من التكيف مع المتغيرات الجديدة، خاصة وأن الاقتصاد دائما في حالة نمو الذي يجعله ينتج أدوار ووظائف جديدة وبالتالي يوفر فرص لم تكن موجودة من قبل، وتكون أكثر من سابقتها لأن الاقتصاد دائما في حالة من التطور والازدياد.''
وأوضح بكيس أنه رغم توسع المهن وتطورها إلا أن ذلك يحدث حالة من الهلع لان هناك فئة دائما لا تستطيع التكيف مع الواقع الجديد وهي مطالبة بتغيير مجال النشاط المهني لأنها غير قادرة على المواكبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتطور تكنولوجي فان ذلك يحتاج إلى حد ادني من المعرفة لأنه لا يمكننا اليوم التحدث عن الأمية رقمية.
وأشار المختص الاجتماعي إلى أن الكثير من الأشخاص لا يحسنون التعامل مع الكمبيوتر ومع مختلف التطبيقات الحديثة وبالتالي يحدث نوع من العزل عن مواكبة التغيرات، وهذا لا يعني إقصاء كلي وإنما يحدث التوجه إلى مهن ونشاطات أخرى، حيث لاحظنا على سبيل المثال في الدول الحديثة انتشار كبير لمهن لم تكن موجودة من قبل.
مردفا "وهذا ما نشهده اليوم في الجزائر، حيث هناك حركية كبيرة فمثلا ظهور رجال يصنعون الكسرة والمحاجب في الشوارع الأمر الذي لم يكن موجودا من قبل. حيث تعتبر هذه الحركية حتمية في ظل التطور وبالتالي يحدث الضغط لذلك يتفاعل الناس بطريقة لم يعتقدوا من قبل بأنهم سيتفاعلون ويتكيفون معها كما يحدث اليوم من خلال الرقمنة في المجتمع حيث نلاحظ أن فئات واسعة أصبحت تتعاطى مع الرقمنة بالضرورة ونجد منها حتى جماهير الملاعب وبالتالي هناك دائما مهن جديدة وأخرى تندثر".