رغم مرور أربع سنوات من اعتماد مجلس الوزراء مشروع الأمر المعدل والمتمم لقانون العقوبات، الذي يشدد عقوبة الاعتداء على العاملين في قطاع الصحة، تزامنا وانتشار فيروس كورونا، إلا أن الاعتداءات اللفظية والجسدية على أصحاب المآزر البيضاء لم تتوقف في ظل ضغوطات يومية تشهدها مصالح الاستعجالات، ناهيك عن نقص تكوين أعوان الاستقبال.
يجمع الأطباء بمختلف رتبهم وتخصصاتهم أن فترة المناوبة التي تمتد من حدود الخامسة مساء إلى الثامنة صباحا من اليوم الموالي، أصبحت تشكل كابوسا حقيقيا لهم، بالنظر إلى الأحداث التي تسجلها والمتاعب التي يواجهونها، حيث يفقدون في كثير من الحالات القدرة على التركيز لمواجهة الحالات الخطيرة للمرضى.
أحد الأطباء العامين المناوبين بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، أكد بأنه تعرض في أكثر من مرة إلى اعتداءات جسدية ولفظية من طرف المرضى أو مرافقيهم، مما جعله في توجس دائم من الاحتكاك بمثل هؤلاء الذين يكونون في حالة غضب شديد، زيادة على وصول حالات تكون في حالة سكر أو إدمان.
وتابع محدثنا أن مهني الصحة بجل الهياكل الصحية لا زالوا يعانون من الاعتداءات اللفظية والجسدية، خاصة من مرافقي المرضى، "الصدامات غالبا ما تقع بسبب عدم التفريق بين حالة استعجالية وأخرى عادية، حيث أن المريض وفور دخوله المؤسسة الصحية، سيما العمومية منها يحتم على الطبيب أو الممرض تقديم العلاج في ظرف وجيز دون احترام الأولوية، ما يولد عصبية بين الطرفين تؤدي إلى الاعتداء".
وهنا يروي محدثنا ما وقع لإحدى زميلاته، حيث استقبلت أحد المرضى يحمل بيده استمارة خاصة بالأهلية الطبية لاجتياز رخصة السياقة وطلب منها أن تملأها له، ولما تحققت من الصورة عرفت أنها ليست له فطلبت منه أن يبلغ صاحب الاستمارة بوجوب الحضور، فثارت ثائرته وأسمعها وابلا من السب والشتم.
ووفق مصدرنا، قد يموت مريض في الاستعجالات جراء حادث ما فيصاب أهله بفقدان أعصاب وهستيريا تتخللها أحيانا اعتداءات جسدية.
المطلوب دوريات للشرطة
وفي السياق، يقول الدكتور صالح لعور عبد الحميد، رئيس النقابة الوطنية للأطباء العامين، ورئيس الجمعية الجزائرية للتكوين المتواصل في طب السرطان، أن تواصل ظاهرة الاعتداءات على السلك الطبي في مستشفيات الوطن يعود إلى الضغط بمصلحة الاستعجالات ونقص تكوين أعوان الاستقبال، إضافة إلى انعدام مسار واضح لكل حالة استعجالية.
وأبرز لعور، أن مصالح الاستعجالات هي الأكثر عرضة للعنف الممارس ضد مستخدمي الصحة، وغالبية الحالات تحدث خلال المناوبة الليلية، وتصدر من مرافقي المرضى أو من مرضى يكونون تحت تأثير المهلوسات أو الكحول.
ولفت محدثنا إلى نقطة أخرى مهمة تتعلق برفض مهنيي الصحة ضحايا الاعتداءات، خاصة النساء منهم الوقوف أمام المحكمة، حيث تعتبر أغلبهن الأمر محرجا أمام أزواجهن والعائلة، مطالبا بإعادة النظر في المتابعات القضائية على أن يكلف ممثل قانوني بمتابعة قضايا الاعتداءات على مهنيي الصحة.
ويرى لعور ضرورة وضع آليات تساهم بشكل مباشر في تفادي حالات سوء الفهم التي غالبا ما تنتهي إلى اعتداءات لفظية أو جسدية أحيانا، منها تنظيم مصالح الاستعجالات، اعتماد أشخاص لهم سيكولوجية خاصة باستقبال المرضى ومرافقيهم، فضلا عن توفير الأمن بالمستشفيات من خلال دوريات للشرطة.
ووفق لعور "القانون وحده لا يكفي لردع المعتدين على الأطباء، بل يجب مرافقته بإعادة التعبئة في مجال التوعية والتحسيس سواء على مستوى المدارس والمساجد ووسائل الإعلام المختلفة".
وكانت الاعتداءات على الأطباء قد عرفت خلال جائحة كورونا ارتفاعا كبيرا، حسب آخر أرقام لوزارة العدل، حيث سجلت أكثر من 300 قضية تتعلق بالاعتداء على الأطباء، فيما فصل القضاء في 349 قضية تتعلق بالاعتداء على مهنيي قطاع الصحة.
كما تم متابعة 477 شخصا في قضايا تتعلق بالاعتداء على مهنيي الصحة أُدين 375 شخصا، واستفاد 45 منهم من البراءة.
العقوبات تصل إلى 15 سنة
وبالرجوع إلى الأمر رقم 20-01 المعدل والمتمم للأمر رقم 66-156 لقانون العقوبات، تسلط أحكام بين الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة مالية من 200 ألف إلى 500 ألف دينار لكل من أهان مهني الصحة أو أحد موظفي ومستخدمي الهياكل والمؤسسات الصحية، بالقول أو الإشارة أو التهديد أو بالكتابة أو الرسم خلال تأدية مهامهم أو بمناسبتها.
وتطبق هذه العقوبة أيضا على كل من يقوم بتخريب الأملاك المنقولة أو العقارية للهياكل والمؤسسات الصحية. كما تطبق ذات العقوبة على كل من يقوم بتسجيل مكالمات أو حديث أو التقاط أو نشر صور أو فيديوهات أو أخبار أو معلومات في شبكة إلكترونية أو في مواقع التواصل الاجتماعي قصد المساس أو الإضرار بالمهنية أو بالسلامة المعنوية للمهنيين والمستخدمين. كما تطبق إذا ارتكبت هذه الأفعال أضرارا بالمرضى وأسرهم أو بالمؤسسات الصحية أو مساس بحرمة الموتى .
ويعاقب بالحبس من سنتين إلى ثماني سنوات وبغرامة من 200 ألف إلى 800 ألف دينار كل من يتعدى بالعنف أو القوة على أحد مهنيي الصحة أو أحد موظفي ومستخدمي الهياكل والمؤسسات الصحية أثناء تأدية مهامهم أو بمناسبتها.
وحسب نفس الأمر، إذا ترتب على العنف إسالة الدماء أو جرح أو مرض أو وقع مع سبق الإصرار أو الترصد أو مع حمل السلاح، تكون الأحكام بالحبس من 5 سنوات إلى 12 سنة وبغرامة من 500 ألف إلى 1200.000 دينار.
كما تكون العقوبة بالحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة وبالغرامة من 1.000.000 دج إلى 2.000.000 دج إذا ارتكبت الأفعال باستعمال السلاح أو ترتب عليها تشويه أو بتر أحد الأعضاء أو عجز عن استعماله أو فقد النظر أو فقد إبصار أحد العينين أو أي عاهة مستديمة .
وتكون العقوبة بالحبس من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات، وبالغرامة من 300 ألف إلى 1.000.000 دج إذا أدت الأفعال إلى التوقف الكلي أو الجزئي للمؤسسة الصحية أو لمصلحة من مصالحها أو عرقلة سيرها أو سرقة عتادها.
كما يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 60 ألف إلى 300 ألف دينار كل من دخل باستعمال العنف إلى الهياكل أو المؤسسات الصحية. وتكون العقوبة بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 200 ألف إلى 500 ألف دينار إذا تم الدخول باستعمال العنف إلى الأماكن ذات الدخول المنظم .
وتكون عقوبة الحبس من 5 إلى 15 سنة وبغرامة من 500 ألف إلى 1.500.000 دينار إذا ارتكبت الأفعال خلال فترات الحجر الصحي أو خلال وقوع كارثة طبيعية أو بيولوجية أو تكنولوجية، أوغيرها من الكوارث .
ويمكن هذا الأمر للنيابة العامة أن تباشر إجراءات المتابعة الجزائية تلقائيا في هذه الجرائم، كما يمكن أن تحل الدولة أو المؤسسة الصحية المستخدمة محل الضحية للمطالبة بالتعويض.