يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، د.عبد القادر سوفي، أن ما تعيشه الجامعات الأمريكة من احتجاجات نصرة للقضية الفلسطينية غير مسبوق في الولايات المتحدة.
تعيش الجامعات الأمريكية حراكا طلابيا، أو كما سمي "ثورة الطلاب" ضد ما يجري في غزة وضد الموقف الأمريكي، والذي انخرط فيه حتى الأساتذة. كيف يمكن أن نقرأ هذا الحراك من ناحية الرسائل ومن الناحية الرمزية خاصة داخل الولايات المتحدة؟
ما يحدث في الجامعة الأمريكية من حراك طلابي، يمثل في الجوهر ثورة غير مسبوقة، هذا ربما من المعطيات الجديدة التي لم يكن صانع القرار الأمريكي يقع فيها، لولا ربما هذه الأحداث التي بدأت بارزة عند الصفوة الأمريكية خاصة الصفوة الطلابية، والتي أدت إلى مشكل كبير تعاني منه الإدارة الأمريكية. والدليل على ذلك أن من بين المؤشرات التي تبيّن أن الإدارة الأمريكية اليوم في ورطة، هو أن هذا التحول الديمقراطي في الوسط الطلابي يبدو أنه لا يتوافق تماما ومخرجات السياسة الخارجية الأمريكية التي هي بدورها لا تمثّل فلسفة تأسيس الأمة الأمريكية، ومنه كون الحدث ينبع من كبريات الجامعات الأمريكية والتي لها صدى دولي كبير من شأنه أن يؤثر مباشرة على مخرجات الكونغرس والإدارة الأمريكية.
ثانيا أن هذه الثورة التي تشهدها كبريات الجامعات الأمريكية، من شأنها أن تتسبّب بعدوى تصل باقي الجامعات الأمريكية. ونحن عند الحديث عن الجامعة الأمريكية، فهذه بدائل في الوسائط الاجتماعية وبدائل لما تقدّمه وسائل الإعلام في أمريكا من تعتيم أو تزوير للمعلومات، ونحن نعلم أن الحركة الطلابية هي متصلة مباشرة بالمجتمع المدني ومتصلة بالمجتمع الأمريكي ككل.
هل يمكن أن نعتبر ما يجري اليوم في الجامعات الأمريكية والذي امتد إلى جامعات في دول غربية، على أنه نقطة تحول في الموقف من السردية الصهيونية، وكيف سيؤثر ذلك على الإدارة الأمريكية؟
الملاحظ أن الإدارة الأمريكية تحاول التضييق على هؤلاء الطلبة، سواء من خلال الاستفزاز أو الحجز أو التهديدات، وهو ما بدا جليا من تحرك النواب والإدارة في اتجاه تحصين المجتمع الأمريكي من مخاطر معاداة السامية التي تسيطر على صناعة القرار بالدرجة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن المشكلة الأكبر اليوم التي أصبحت تواجهها المؤسسة الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية التنفيذية والتشريعية، هو التحاق قادة مؤثرين من الأساتذة والباحثين المشهود لهم بالتميّز العلمي بهذه الاعتصامات الطلابية، وانخراطهم في معركة فضح تزييف الوعي التي يقوم بها الإعلام الصهيوني ككل، سواء كان ذلك الذي يسيطر على الإعلام الأمريكي أو غيره في العالم، هذا ربما ما يجعل الإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي خاصة من خلال المدافعين عن السردية الأمريكية، في ورطة كبيرة، وهذا ما يجعلنا نصف هذه الحركة بالثورة الطلابية غير المسبوقة التي قد تؤدي إلى انهيار هذه الثوابت التي بنيت على حساب الثوابت الأصلية التي أنشئت من أجلها الولايات المتحدة الأمريكية.
الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما دافعت عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، تلجأ إلى العنف المفرط والاعتقالات في حق الطلبة المضربين، بالإضافة إلى التعتيم والتشويه الإعلامي لهذا الحراك، ما هو تعليقك؟
هذه الثورة الطلابية وضعت الإدارة الأمريكية على المحك، مما جعلتها تستعمل كل وسائل القمع وضرب حقوق التعبير وحقوق الإنسان، يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما دافعت عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، بل قامت بحروب قمع في العديد من الدول، على غرار العراق وغيرها من الدول، اليوم تجد نفسها في مأزق أمني وفي تناقض كبير مع ما تطالب به وما تقوم به، ما تلجأ إليه من عنف مفرط واعتقالات في حق هؤلاء الطلبة المضربين، يؤكد مرة أخرى أن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية، يبدو أنه وسيلة من وسائل تحقيق المصلحة لا غير، والحقيقة أن المصلحة حتى في الداخل الأمريكي تمنع كل الحريات، من شأنها أن تتناقض مع المصلحة التي تسيطر عليها فواعل لا تبحث عن المصلحة الأمريكية ككل بقدر ما تبحث عن مصالح وتحقيق مصالح ضيقة.