38serv

+ -

 تحتفل بلادنا في السادس عشر من شهر أفريل من كل عام بيوم العلم، وهي مناسبة جميلة للتذكير بأهمية العلم في حياة الإنسان. إن العلم سراج يخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهداية ومن الحيرة إلى الرشد، والعلم شرط لنهضة الحضارات والأمم.

العلم أشرف شيء في هذا الوجود، وهو أنفس ما تستعمل فيه الأعمار والساعات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأموال والأوقات، وشرع في إدراكه والتمكن فيه أصحاب الأنفس الزاكيات، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات، وسابق إلى التحلي به مستبقو المكرمات؛ فهو شعلة الأمم ونورها الذي يُضيء الكون، فهو يصنع الحياة الكريمة الراقية، وبالعلم تنهض الأمم، وتتحضر الشعوب.
إن العلم هو أحد مقومات الحياة؛ فهو ضرورة من ضرورياته كالمأكل والمشرب والنوم وغيرها، وهو العمود الأساسي في تطور المجتمع، وإنتاج وسائل يستطيع الإنسان من خلالها مواكبة العصور المزدهرة، وتنشئة مستقبل مشرق له ولعائلته.

والعلم أشرف من المال كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل بن زياد: “يا كميل.. العلم أشرف من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، العلم حاكم والمال محكوم عليه”.

وقد اهتم ديننا الحنيف بالعلم أعظم اهتمام، يقول الله عز وجل في أول ما نزل: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، وقال: {اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم}. وإن للإسلام موقفًا رائعًا من العلم، يتجلى ذلك في حثِّه على العلم النافع، والترغيب في تحصيله، وما ورد في النصوص من الثناء على العلماء، ووعدهم الرفعة والأجر، وما جاء في الإرشاد إلى سبل تحصيله، والتحذير من التعلم لغير وجه الله تعالى وذم مَن لا يعمل به. فقد أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يقول: {وقل رب زدني علما}.

وقد جاءت نصوص الشريعة تدعو إلي العلم وتأمر به وتثني على أهله: فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة”. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلان: أحدهما: عابد، والآخر: عالم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم”، قال الإمام النووي: “العلم حياة القلوب من الجهل، ومصباح البصائر في الظلم، به تبلغ منازل الأبرار، ودرجات الأخيار، والتفكر فيه ومدارسته ترجح على الصلاة، وصاحبه مبجل مكرم”.

ولقد ساهم العلم في ظهور اكتشافات كان لها دور كبير في تغيير حياة الإنسان وتطورها، كما كان لها دور في تسهيل حياة الإنسان، فالشعوب تتقدم بفضل العلم حيث يعتبر مقياس تحضر الأمم.
وللعلم دور في تحسين مستوى معيشة الفرد؛ حيث يعتبر أساس التطورات التي ظهرت لتوفير حاجات الإنسان الأساسية لتحسين مستوى معيشته ومنها ما جعل حياة الفرد أسهل كالاختراعات المختلفة التي نشأت بفضل العلم، فالعلم هو أساس تطور المجتمعات وازدهارها، ويعتبر أداة التخلص من الجهل، فالعلم هو سلاح تقدم الدول والمجتمعات، حيث تنهض الأمم بفضله وتأثيره، فيمكن العلم الأفراد من التطوير من مهاراتهم مما ينعكس بالإيجاب على المجتمع. وله أهمية كبيرة في المجالات المختلفة ومن أهمها مجال الصحة، حيث يساهم في اكتشاف أدوية وعلاجات للأمراض، مما يحافظ على حياة الفرد وصحته، وله أيضا دور في تقليل نسبة البطالة في العمل، حيث يمكن العلم الأفراد من الحصول على فرص عمل جيدة ذات راتب بقيمة عالية، مما له تأثير على المستوى المعيشي للفرد.

وإن السيادة على الأمم وبناء الحضارات لا يكون إلا بالعلم والأخذ بأسبابه، إذ هو حياة أهله، وبه يستحقون صفة الحياة، ويدركون معنى الوجود، وغيرهم أموات لا يعبأ بهم، ولا قيمة لهم.
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... فأجسامهم قبل القبور قبور
وللأسف؛ فإن الشعوب المسلمة اهتمت بأعراض من الدنيا لا تسمن ولا تغني من جوع، وتركت العلم يمحى من أهدافه؛ فوقعت في مستنقع الرذيلة والجهل؛ فوصلوا إلى مرحلة متأخرة يصعب العودة منها إلا بنور العلم.

وبالجملة فإن التخلف العلمي يؤدي إلى فشو الجهل، وتخلف الأوطان، وفساد البلدان؛ لأن الجهل يمكنه أن يهدم أي بناء مهما كان، وأن يفسد جميع الأوطان والبلدان؛ كما قيل:
العلم يرفع بيتا لا عماد له... والجهل يهدم بيت العز والشرف.

كم نحن اليوم بحاجة إلى العلم النافع الذي نبني به حضارتنا، ونبلغ به مجدنا، ونقضي على داء الجهل الذي ما انتشر في أمة إلا تهدم بنيانها، وتزعزعت أركانها، وحل بها الخراب. فلا ينكر أحد من العقلاء قدر العلم ومكانته، وأثره على صاحبه وكل من حوله.