يراهن مجمع "ستيلانتيس" على الجزائر في خطته لمنطقة "مينا"، هذا ما أكد عليه المدير التنفيذي للمجمع بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سمير شرفان، ليشير إلى أنّ استراتيجية المجمع تتجاوز مجرد الأرقام، لتصل إلى حد التعاون لبناء قاعدة صناعية تمتد تأثيراتها إلى خارج السوق الجزائرية.
هذا الطموح عبّر عنه سمير شرفان في لقاء مصغّر مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، شاركت "الخبر" فيه، حيث صرّح أنّ الجزائر في وضعية جيدة لتكون أحد أهم قواعد الصناعة الميكانيكية في المنطقة نظرا لجملة الإمكانيات التي تتوفر عليها.
وذكر في سياق توضيحه الامتيازات ذات العلاقة بنقص تكاليف اليد العاملة والطاقة، مما يجعل الجزائر في وضعية منافسة للعديد من البلدان لبلوغ مرحلة الصين، إذ اتخذت الخطوات الضرورية لترتيب منظومة العمل وضبطها والمواصلة في العمل الدؤوب، في وقت يفرض بعد الموقع على الصين تكاليف أكبر لتغطية نفقات النقل، واعتبرها الرسالة الموجّهة للمتعاملين المحليين والمناولين للركوب بسرعة ودون تأخير في "طائرة" تطوير الصناعة الميكانيكية الوطنية، في إشارة إلى ضرورة الانخراط في هذا المسعى، تحقيقا للمصالح المشتركة بين جميع الأطراف.
تطوير المناولة المحلية حجر الأساس
خلال تطرّقه إلى اللقاء الأخير مع مجموعة المناولين لمصنع فيات الجزائر، وصف مسؤول "ستيلانتيس" حدث في غاية الأهمية بالنظر إلى مسار الأحداث التي مرت بها هذه التجربة منذ انطلاق الأشغال بطفراوي في ديسمبر 2022، ثم بداية إنتاج سيارة "فيات 500" اثنا عشر شهرا تحديدا بعد ذلك، وهو ما اعتبره إنجازا جماعيا في فترة وجيزة، على الرغم من أنه أكد على أنه لم يكن ليتحقّق دون التنسيق وانخراط جميع الأطراف.
ضمن هذا التوجّه، أوضح شرفان استراتيجية "ستيلانتيس" وهدفها في تحويل نشاطها لمحور تطوير الصناعة الميكانيكية في الجزائر. مؤكدا أن المجمع يملك جميع الإمكانيات لتحقيق ذلك، سيترجم من خلال إنتاج مليون سيارة سنة 2026 عبر منطقة "مينا"، واقتناء ما تفوق قيمته 6 مليار أورو من قطع الغيار، اعتمادا على قواعد الإنتاج وشبكة الممونين.
وقال إن الهدف في النهاية هو بلوغ نسبة 80 بالمائة من الإندماج المحلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبالتالي، فإن "طموحنا لن يتوقف عند ما ورد في دفتر الشروط بهذا الخصوص"، على حد تعبيره، حيث شدد على أن الهدف هو تطوير هذا النوع من الصناعة والاستثمار فيها على المدى البعيد والمواصلة في هذه الديناميكية، والمساهمة في تواجد مجموعة المتعاملين المحليين والأجانب لترجمة هذا النسيج على الميدان.
وذكر شرفان أن المصداقية تجلب المستثمرين وتخلق نوعا من الحركية فيما بينهم لتطوير القطاع، موازاة مع توفير المواد الأولية التي تلعب منظومة المنولين دورا بارزا فيها تحت إشراف المجمع، في إشارة إلى اللقاء الذي ضم حوالي 90 ممون يمثلون علامات وطنية وأجنبية تضع "ستيلانتيس" خبرتها في مجال صناعة السيارات تحت تصرفهم.
كل هذه الخطوات تهدف من خلالها "ستيلانتيس" إلى الوصول بالجزائر إلى مستوى الصين، وهو ممكن حسب سمير شرفان، بالنظر إلى جملة الخصائص والامتيازات التي تتوفر عليها، بينما لم يخف المتحدث أمله أن يكون للمجمع الذي يمثّله دورا محوريا في بلوغ هذا الهدف.
إنتاج 40 ألف سيارة
كشف المتحدث أن الهدف هو إنتاج 40 ألف سيارة خلال السنة الجارية، وهو الأمر الذي يفرض، حسبه، مضاعفة عدد العمال الذي يبلغ حاليا حوالي 600، والانتقال من فريق مناوبة واحدة إلى 3 تعمل 6 أيام في الأسبوع نهارا وليلا. مشيرا أن زيارته لمصنع فيات لوهران، أظهرت أن خطوة التوسعة انطلقت فعلا، فالانتهاء من مباني "الهياكل والصباغة" من المقرر أن تكون شهر سبتمبر المقبل.
وأضاف أنّ مصنع "فيات" بوهران، يقوم في الوقت الراهن بعمليات التركيب لكنه لا يصنع الهياكل، وبالتالي، فإنّ الوصول إلى هذه المرحلة سيرفع نسبة الاندماج الوطني بشكل واضح، خاصة بعد إنتاج أول السيارات اعتمادا على المسار الجديد بداية من مارس المقبل وهي فيات 500 بصيغة "سي كا دي".
إنتاج "دوبلو" سياحية وبلوغ 35 بالمائة من الإندماج
ذكر المتحدث أن مصنع "فيات" الجزائر سيعلن عن نوع السيارة الرابعة التي ستدخل السوق الجزائرية، واعتبر سمير شرفان، أن الكشف عنها في الوقت الراهن سابق لأوانه، إلاّ أنه راهن عليها بالقول بأنها سيارة ستنال إعجاب الزبائن الجزائريين. مشيرا إلى أنّ تركيبها سينطلق مباشرة بصيغة "سي كا دي" في السنة المقبلة، بالإضافة إلى تركيب سيارة "دوبلو" الموجّهة للمحترفين المزوّدة بمحرك "جي بي أل"، وكذا سيارة دوبلو السياحية.
أوضح مسؤول "ستيلانتيس" في منطقة "مينا"، أنّ مصنع "فيات" وهران سيبلغ نسبة اندماج وطنية تقدّر بـ 35 بالمائة في سنة 2026، أي خلال ثلاث سنوات فقط، وهو ما يتجاوز ما ورد في دفتر الشروط الذي يفرض بلوغ نسبة 30 بالمائة في 5 سنوات وإنتاج حوالي 90 ألف سيارة، وبالتالي استعمال الطاقة الكلية للمصنع، بينما سيتجاوز المصنع بناء على هذه المعطيات 10 بالمائة من نسبة الاندماج خلال السنة الجارية، وأكثر من 26 بالمائة في العام المقبل.
طراز حصري بالجزائر
على الرغم من أنّ سمير شرفان تحفّظ عن الخوض في الطرازات الجديدة المقرر إنتاجها من مصنع وهران، إلاّ أنّه ذكر أنّ طرازا جديدا سينضمّ إلى تشكيلة "فيات" نهاية العام الحالي، بل كشف أنّ هذا الأخير سيكون الوحيد المنتج في نسخته عبر العالم والذي سينطلق بصيغة "سي كا دي" كاملة.
لتجاوز 35 بالمائة من نسبة الاندماج المحلي لا بد من تجاوز 18 جزء يصنع محليا، الأمر الذي يتطلب التعامل مع أكثر 25 من ممول، وبالتالي تحقيق هذا الهدف في أقرب الآجال، بينما الحالة الراهنة يوجد فيها حوالي 50 ممون، 21 من بينهم جاهزين للتعامل معهم بتوفير 15 جزء، أما البقية فمطلبين بالعمل أكثر لبلوغ هذه المرحلة، وهو الأمر الذي يندرج ضمن الاتفاقية الموقّعة نهاية الأسبوع الماضي.
أكد المتحدث أن هدف "ستيلانتيس" ومصنع فيات لن يتوقف عند تحقيق مستوى الحد الأدنى من نسبة الاندماج، فمخطط تطوير هذه الشعبة من شأنه أن يضع كل الفاعلين في أفضل موقع وخلق استثمار ذو مردودية للنسيج الصناعي الميكانيكي، وبالتالي تجاوز كل الأهداف المسطرة بشكل متواصل، على غرار ما يحققه المجمع في جميع البلدان التي يعمل بها، خاصة أن بعض أجزاء السيارة لا تحتاج إلى تكنولوجيا معقّدة أو تقنيات كبيرة، كتوفير الكوابل مثلا، على الرغم من أهميتها، مشيرا إلى أن المجمع ينفق ملياري أورو لشرائها.
وأشار إلى أنّ بلوغ هذا المسعى، يفرض على المجمع العمل بالتنسيق مع السلطات العمومية والجهات الوصية وتحديد الأولويات مع الممونين بتوفير الأجزاء والقطع الأقل تكلفة والأبسط من الناحية التكنولوجية.
تصدير سيارات "فيات" وارد
قال مسؤول "ستيلانتيس" بمنطقة "مبنا"، إنّ بلوغ مرحلة تصدير الطرازات الأربعة المنتجة من مصنع "فيات الجزائر" وارد جدا، بالرغم من أنّه أشار إلى كون التركيز في الوقت الراهن ينصبّ على تسويقها على الصعيد المحلي، والانطلاق من الأيقونة "فيات 500" التي تحمل روح العلامة الإيطالية في الجزائر. وذكر أنّ هذا الأمر ينسجم أيضا مع مخططات المجمّع ورؤيتها الاستثمارية في الجزائر.
ولم يجد المتحدث بدا من التأكيد على أنّ سياسة "ستيلانتيس" في الذهاب بعيدا في استثماراتها، من خلال توسيع تشكيلة طرازاتها المنتجة محليا من جهة، والتوجه نحو التصدير من الجهة المقابلة، قائلا إنّ كل هذه الخطوات تندرج كذلك ضمن تحقيق أهداف رفع نسبة الاندماج المحلية، وبالتالي تحريك عجلة النشاط وتحفيز المتعاملين والمناولين.
ردا على سؤال حول الأهداف المسطّرة للسنة المقبلة في مجال المبيعات ورقم الأعمال، قال سمير شرفان، إنّ مصداقية المجمع لا تقوم على هذين المؤشّرين بقدر ما تؤسّس على بلوغ ما وصفه بـ"المهمة" التي كلّف بها من قبل المجمع، لاسيما الإسهام في الدفعة للصناعة الميكانيكية الوطنية وتحقيق نسب اندماج عالية، والعمل على نقل التكنولوجيا والتكوين، وبالتالي الوفاء بالثقة الموضوعة في المجمّع من قبل السلطات العمومية الجزائرية.
ولدعم ما ذهب إليه، استند مسؤول "ستيلانتيس" على الأرقام، وذكر جملة الخطوات المعتمدة من قبل المجمع عبر تسخير بواخر لجلب أجزاء السيارات من مصانع في رحلات تستغرق يومين أو ثلاثة، وقدرة تخزين محلية تفوق 20 ألف سيارة، 190 ألف شاحنة، 100 ساعة تكوين، بالإضافة إلى حوالي 1200 عامل، موازاة مع الجهود المبذولة للتعامل مع الإجراءات المختلفة والتعامل مع الإدارات والبنوك والهيئات بطريقة يدوية. وبالتالي، فإنّ وضع هذه المنظومة على سكتها الصحيحة أحد الأهداف المسطرة.
86 بالمائة نسبة رضا الزبائن على المبيعات
وأشار المتحدث إلى أنّ نسبة رضا الزبائن في الجزائر في مجال خدمات ما بعد البيع، بلغت شهر مارس الماضي 96 بالمائة، وبلغت نسب رضا الزبائن في المبيعات 86 بالمائة، والمشكل الوحيد الذي أشار إليه عند حديثه عن المبيعات هو الالتزام بآجال التسليم، والتي أرجعها إلى العديد من الأسباب لا بد من أخذها بعين الاعتبار، قبل أن يضيف أنّ الالتزام بالآجال وإرساء منظومة متكاملة لصالح الزبون يعدّ أيضا أحد أهم الأهداف المقررة من قبل "ستيلانتيس" في الجزائر.
في سياق التأكيد على هذا الالتزام، قال سمير شرفان، إنّ مشروع "فيات" في الجزائر ولد بفضل التقارب الموجود بين أمتين هما إيطاليا والجزائر. مشيرا إلى أنّ كل الفرق التي تعمل على تحويل هذا المشروع إلى حقيقة، فخورة بما تحقق وعازمة على المواصلة بنفس الوتيرة، تقودها في ذلك قيم المجمّع الذي يعتبر بناء على النتائج المسجلة السنة الماضية الثاني على مستوى العالم بـ 15 علامة التي يمثلها.
طلب رخصة لاستيراد "ألفا روميو"
أضاف شرفان، أنّ الهدف هو وضع إمكانيات المجمع تحت تصرف الجزائر، ولم يستبعد تبعا لذلك بلوغ مرحلة في المستقبل لإنتاج سيارات العلامة الألمانية "أوبل"، التي بدأ تسويقها في الجزائر السنة الماضية، بينما تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة لتطوير الشراكة بين الجانبين. وكشف في السياق، على طلب الرخصة رسميا لاستيراد سيارات العلامة الإيطالية "ألفا روميو" التي تنتمي إلى الفئة العليا من السيارات لتسويقها في الجزائر، بينما قال إن المجمع مفتوح في تصوّره على جميع الخيارات، مشيرا إلى إمكانية طرح فيات "تيبو" بنسخته "كوبي" في السوق الوطنية.
خيارات لطرح نماذج اعتماد على نوعية الوقود
يعمل المجمع أيضا على إطلاق نماذج تستجيب إلى نوعية الوقود الأفضل استعماله في مناطق معينة، في إشارة إلى تطوير استعمال الهيدروجين الأخضر في محركات الديزل الذي قد يكون الخيار الأفضل بالنسبة للسوق الجزائرية، بالنظر إلى التوجهات التي تتبناها في تطوير هذا النوع من الطاقات المتجددة، وبالتالي تفادي نسخ التجارب الأخرى، على غرار ما يتم في أوروبا مثلا وتوجّهها نحو السيارات الكهربائية.