أكد المستشار في السياسة الخارجية الإيرانية والمحلل والإعلامي مهدي شكيبائي أن الهجوم الإيراني رسالته تجاوزت الرد على استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق، حيث تمكن من تحقيق نصر استراتيجي بهذا العمل الانتقامي وفي إطار ميثاق الأمم المتحدة. وأكد شكيبائي، في حوار مع "الخبر"، أن الهجوم سيكون له الأثر في ردع الكیان المحتل عن جرائمه الوحشية في قطاع غزة وبأنه سيعزز الثقة بالنفس بالنسبة للفصائل الفلسطينية. ولم يستبعد المتحدث أن يتجه الكیان بمساعدة أمريكا إلى تفعيل الانقسامات العرقية في إيران، فضلا عن خلق الاضطرابات والقيام بالتخريب النووي في إيران والضغوط الدبلوماسية.
رافق الرد الإيراني على الكيان الصهيوني السبت الماضي في عملية "الوعد الصادق" العديد من المواقف والتعاليق على المستوى الرسمي كما على المستوى الشعبي، فهل كان الرد، حسبكم، في مستوى المأمول إذا ما تمت مقارنته بالخسائر في عملية استهداف جيش الصهاينة القنصلية الإيرانية في سوريا وثقل الأسماء التي قضت في هذا الاعتداء؟
في رأيي، نعم. لم يكن رد إيران مناسبا فقط على هجوم الكیان المحتل على القنصلية الإيرانية في دمشق، بل كانت رسالتها تتجاوز ذلك الهجوم واستشهاد جنرالات إيرانيين.
وأشرح هذا الطرح. كما ترون، على الرغم من أن اغتيال كبار الضباط الإيرانيين في دمشق، الذين كانوا يعتبرون أبناء الأمة الإيرانية، قد آلم قلوب كل إيراني وكان فقدانهم خسارة لنا، إلا أن هناك عددا لا يحصى من الجنرالات في إيران الذين يشغلون مكان هؤلاء الشهداء على الفور. على سبيل المثال، عندما اغتيل الفريق الشهید قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، على يد الجيش الإرهابي الأمريكي في العراق، حل محله اللواء إسماعيل قاآني على الفور. كان استشهاد قاسم سليماني خبرا مؤلما للشعب الإيراني وتأثرنا كثيرا، لكن خليفته أظهر قدراته على الفور.. ما رأيناه في عمليات إيران الأخيرة ضد أهداف صهيونية في الأراضي الفلسطينية كان من عمل خليفة الشهيد سليماني وزملائه.
لقد استشهدت بهذا المثال لإيصال نقطة مهمة، وهي أنه على الرغم من أن فقدان هؤلاء القادة كان خسارة للشعب الإيراني إلا أنه لم يكن انتصارا استراتيجيا للنظام الإسرائيلي، فالنصر الاستراتيجي يعني أنه يمكن خلق معادلة جديدة للردع بضربة واحدة للمنافس. باغتيال قادتنا في القنصلية، تجاوزت إسرائيل الخط الأحمر الذي حدده ميثاق الأمم المتحدة وارتكبت خطأ استراتيجيا وليس انتصارا استراتيجيا. لكن إيران تمكنت من تحقيق نصر استراتيجي بهذا العمل الانتقامي وفي إطار ميثاق الأمم المتحدة، بمعنى أنه بالإضافة إلى إثبات أن إيران تمتلك القوة من ناحية، فقد أثبتت أيضا من ناحية أخرى أن لديها الإرادة لممارسة قوتها على منافسها. وأيضا بهذا الحجم والنوع من العمل الانتقامي، خلقت طهران ردعا متبادلا ضد النظام الإسرائيلي وحلفائه مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا، لأنه في هجوم إيران حاولت كل هذه الدول، إلى جانب بعض الدول العربية، التصدي للهجوم الإيراني بكل قدراتها لكنها فشلت، لذلك أعتقد أن الرد الإيراني لم يكن مناسبا فحسب، بل كان له أيضا قيمة استراتيجية أكبر مقارنة بالهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق.
تتعالى الأصوات في الكيان الصهيوني بضرورة الرد على الهجوم الإيراني بالمسيرات والصواريخ الباليستية، وفي أسرع وقت، كيف تتصورون الرد الصهيوني؟
إن الصراع بين إيران وإسرائيل يعود إلى عمر الثورة الإسلامية الإيرانية، وهو ليس فريدا من نوعه في الأيام الأخيرة وسيستمر بالتأكيد حتى النصر النهائي للأمة الفلسطينية وحرية المدينة المقدسة. لذلك، وعلى الرغم من الرد الإيراني الساحق على إسرائيل، فإننا نعتقد أن هذا العداء سيستمر، وضربة إيران لن تعني بالتأكيد نهاية العداء الإسرائيلي، وسيسعى هذا النظام إلى تعويض هذه الهزيمة والعبوس كما كان من قبل. لكني أعتقد أن إسرائيل، حسب الاعتبارات التي لديها في نفسها وكذلك اعتبارات أمريكا وحلفائها، غير قادرة على الدخول في دوامة المساءلة بالمستوى الذي ردت عليه إيران.
ومن المحتمل، على مستوى أدنى، أن يتجه هذا الكیان بمساعدة أمريكا إلى تفعيل الانقسامات العرقية في إيران، فضلا عن خلق الاضطرابات والقيام بالتخريب النووي في إيران والضغوط الدبلوماسية. وبالطبع، إذا كان هناك خطر على حياة نتنياهو السياسية فإنه سيبدأ في مغامرة حمقاء ضد إيران. على أي حال، هنا في طهران، القادة الإيرانيون، بالتنسيق مع السید القائد الإمام خامنئي، مصممون على الحفاظ على هذه المعادلة الجديدة التي خلقوها ضد إسرائيل والولايات المتحدة ومستعدون لمواجهة أي سيناريو من هذا القبيل العدو.
كسرت إيران في عملية "السبت" أو "الوعد الصادق" ما يعرف بـ"الخطوط الحمراء".. فماذا سيتغير بدخول مرحلة المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل؟
في هذه المرحلة، سيكون هناك تغييران، أحدهما قصير الأمد والآخر طويل الأمد. التغيير قصير الأمد بعد المعادلة الجديدة سيحدث داخل الأراضي الفلسطينية، خاصة في غزة، وستضطر، بلا شك، إسرائيل وحلفاؤها إلى وقف الهجوم على غزة والإسراع في إعلان وقف إطلاق النار. ولا شك أنه إذا لم ترد إيران فسينظر إلى ذلك على أنه ضعف لإيران من وجهة نظر إسرائيل وأمريكا، ومن المؤكد أنهما سيهاجمان رفح. والآن لم يعد أمام أمريكا وإسرائيل إلا تفعيل المفاوضات السياسية ومتابعة المطالب الإسرائيلية عبر قنوات هذه المفاوضات. وعلى المدى الطويل، ستكون هناك تغييرات على المستوى الإقليمي، خاصة في مسألة ما يسمى بممر "عرب- مد". لأن الداعم الأساسي لهذا المشروع كان إسرائيل وكان من المفترض أن يوفر هذا الكیان الأمن لهذا الممر. وبطبيعة الحال، سيحدث تغيرات في العلاقات الدولية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وكذلك قضية تايوان والصين والعلاقة بين أمريكا والصين.
كيف ترون انعكاس الهجوم الإيراني على الحرب في غزة؟
كما أجبت في السؤال السابق فإن هذا الهجوم سيكون له الأثر الكبير في ردع الكیان المحتل عن جرائمه الوحشية في قطاع غزة، لأنه سيعزز الثقة بالنفس لدى فصائل المقاومة الفلسطينية ويحسن موقفها ضد الكیان العدو. فهو سيشجع فصائل المقاومة الفلسطينية على المزيد من المقاومة، وبهذه الطريقة ستفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الثلاثية، وهذا في سياقه سيؤثر على وضع نتنياهو في المنافسة مع خصومه وسيجعله ضعيفا أمام خصومه وربما يمهد لسقوطه. وفي هذه الحالة، سيكون محور المقاومة هو انتصاره الثالث بعد عملية "طوفان الأقصى" وهجوم إيران المباشر على الكیان الإسرائيلي.
في ختام هذا الحوار، لا يفوتني أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى شعب وحكومة الجزائر على دعمهما الثابت للقضية الفلسطينية. وفي إيران، نتابع عن كثب مواقف الأمة الجزائرية تجاه الكیان الصهيوني ونسعد كثيرا عندما نرى مدى دعم الشعب الجزائري للفلسطينيين في الملاعب الرياضية، كما أتمنى أن نصلي صلاة النصر في المسجد الأقصى قريبا.