انسحبت قوات الاحتلال الصهيوني، من بلدة بيت حانون شمال غزة، بعد توغّل دام أكثر من 36 ساعة، حاصرت خلالها مراكز إيواء النازحين واعتقلت عددا منهم، ونكّلت بأهالي البلدة، واعتدت بالضرب على النساء وارتكبت جرائم مروّعة بحق المدنيين، كما جرفت الأراضي ودمّرت المنازل قبل مغادرتها، في حين شنّ الطيران الحربي الاسرائيلي، غارات جوية على مدينة رفح في أقصى الجنوب، متجاهلا التحذيرات الدولية والأممية من خطورة المساس بالمنطقة التي تؤوي أكثر من مليون نازح فلسطيني.
اقترب عدد شهداء غزة من 34 ألف شهيد، بعد المجازر الجديدة التي ارتكبها جيش الاحتلال، حيث أعلنت وزارة الصحة بالقطاع، عن ارتفاع ضحايا العدوان الصهيوني إلى 33 ألفا و899 شهيدا بعد ارتكاب قوات الاحتلال 6 مجازر خلال 24 ساعة، راح ضحيتها 56 شهيدا و89 مصابا، ليرتفع عددهم الإجمالي إلى 33 ألفا و899 شهيدا، بالإضافة إلى 76 ألفا و664 جريحا منذ شهر أكتوبر الماضي، لافتة إلى أنه ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وكان جيش الاحتلال قد دمر عددا من المنازل خلال توغله المفاجئ في بيت حانون، فجر أول أمس الثلاثاء، وقام بتجريف أراض زراعية، إلى جانب اعتقال عدد من الفلسطينيين في مركز إيواء والاعتداء على النساء، وإطلاق النار على النازحين، كما قصف مسجدا ومنازل وحاصر مدرسة "مهدية الشوا" التي تؤوي نازحين، واعتقل عشرات من الرجال والأطفال، وأجبر النساء والفتيات على النزوح.
ونقلت تقارير إعلامية، عن رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، سلامة معروف، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يسعى لإفراغ بلدة بيت حانون والمنطقة الشرقية من بلدة جباليا شمال القطاع من سكانها، من خلال العمليات العسكرية التي ينفّذها في المنطقة. مضيفا أن الأمر يعد جريمة جديدة من جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، مشيرا أن الاحتلال "قام بإنشاء مركز تحقيق ميداني وطلب من الجميع الخروج تحت تهديد السلاح وأجبرت النساء على خلع الحجاب، وتم تجريد الرجال من الملابس الخارجية".
وجراء القصف الصهيوني المتواصل منذ أكثر من ستة أشهر على قطاع غزة، ارتقى المزيد من الشهداء في مناطق عدة، حيث استشهد 6 أشخاص، أمس، إثر قصف الاحتلال تجمعا لفلسطينيين في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، بينما نقلت فرق الدفاع المدني والإسعاف عددا من الشهداء، إلى جانب الجرحى، من بينهم أطفال ونساء، إلى مستشفى المعمداني في مدينة غزة، حيث أجريت لهؤلاء الجرحى الذين أصيبوا في قصف إسرائيلي لمنزل بحي الشجاعية شرق غزة، الإسعافات الأولية في ظل نقص شديد بالمعدات الطبية.
الاحتلال يحاول شرعنة اجتياح رفح
أما في مدينة رفح بأقصى جنوب القطاع، أوقع قصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم يبنا وسط المدينة، في ساعة متأخرة من ليل، أول أمس، سبعة شهداء وعدة جرحى، غالبيتهم من النساء والأطفال، فيما أصيب آخرون في غارة استهدفت منزلا لعائلة فلسطينية في المخيم الذي تعرّض لدمار كبير، ناهيك عن المنطقة الواقع بها والتي تضم نازحين من مناطق مختلفة في القطاع، حسب شهود عيان.
وما تزال مدينة رفح مهددة بالاجتياح البري الصهيوني، رغم كل التحذيرات والرفض الدولي والأممي لهذه الخطوة، نظرا لعواقبها الوخيمة كونها منطقة تعج بالسكان المدنيين وتؤوي أكثر من مليون نازح فلسطيني، دفعهم الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة، بزعم أنها آمنة، ثم شن عليها لاحقا هجمات أسقطت شهداء وجرحى.
وحسب ما أوردت التقارير الإعلامية عن مصادر عبرية، فإن الجيش الإسرائيلي رفع مستوى الاستعداد للعمليات البرية في رفح والمخيمات وسط قطاع غزة، بعدما تمت الموافقة على المفهوم العملياتي لخطة اجتياح رفح من قبل هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع.
ونقل موقع "والا" الصهيوني عن مصادر أمنية إسرائيلية، أن الجيش بدأ بزيادة عدد قوات سلاح المدفعية وناقلات الجنود المدرّعة والغرف الحربية المتنقلة في مقر قيادة فرقة غزة، وأنه تم كجزء من تحضير المنطقة، اتخاذ عدة قرارات، منها زيادة المساعدات الإنسانية لتشمل جميع أنحاء قطاع غزة حتى تحظى إسرائيل بما وصفها بشرعية دولية لدعم العملية في رفح.
ووسط كل تلك التهديدات، يعيش النازحون الذين يكابدون كغيرهم من سكان القطاع، مأساة إنسانية غير مسبوقة، في توتر وقلق من أن تشنّ إسرائيل عملية برية على رفح التي كانت تعدّ الملاذ الآمن الوحيد لهم، رغم أن النازحين في تلك المنطقة المكتظة بالسكان، يعانون ظروف إنسانية صعبة جدا، في ظل الحصار الإسرائيلي المتواصل والقصف الذي يستهدف المنازل المأهولة، فضلا عن ندرة الغذاء والدواء والوقود وانعدام أبسط مقوّمات الحياة.
وتصر حكومة الاحتلال وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، على اجتياح رفح، في تجاهل صارخ للمعارضة الدولية وحتى من قبل حلفائها لهذا الأمر، حيث كشف الإعلام العبري، قبل أيام أن إسرائيل تعتزم نصب 10 آلاف خيمة قرب رفح خلال أسبوعين تمهيدا لاجتياحها البري، حيث يتمسك نتنياهو بمقولة مواصلة كاملة للحرب والذي يتلخّص بالنسبة له في تفكيك كتائب حماس والقضاء على قادتها، وهي الذريعة التي اتخذها جيش الاحتلال لتدمير القطاع الصحي في غزة ومبانيها وقتل سكانها العزل، بينما عجز عن تحقيق هذا الهدف الصهيوني المنشود بعد مرور أكثر نصف عام من القتال في القطاع الصغير المحاصر.
وفي المقابل، تواصل فصائل المقاومة الفلسطينية، تصديها للتوغلات الإسرائيلية على كافة محاور القتال في غزة، حيث تدور معارك شرسة بين المقاتلين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، تركّزت في بيت حانون قبل انسحاب جيش الاحتلال، فيما أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أول أمس، أن مقاتليها قنصوا جنديا إسرائيليا في البلدة، فيما تجري اشتباكات أخرى شمال مخيم النصيرات.