مرحلة جديدة من التنسيق بين الجزائر وموسكو

38serv

+ -

أنعشت زيارة المبعوث الشخصي للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف للجزائر، في هذا التوقيت وما رافقها من بيانات، تضمّنت كلمات مفتاحية وإشارات ورسائل، التخمينات والتحاليل حول طبيعة النقاشات والمخرجات المحتملة بين قيادة البلدين بشأن التطورات في الساحل، بوصفها المنطقة التي ذكرها بيان الخارجية الجزائرية وكذا الروسية بقولها "تم إيلاء اهتمام خاص للوضع في منطقة الصحراء ــ الساحل، مع التأكيد على أهمية تكثيف الجهود لتحقيق استقرار الوضع في هذه المنطقة، من خلال إقامة حوار سياسي بنّاء وشامل يستند لمبادئ احترام وحدة وسلامة الأراضي وسيادة الدول الإفريقية".

ويبدو أن العلاقات الجزائرية الروسية، تشهد مرحلة جديدة من التنسيق والإدارة، بحكم المتغييرات الإقليمية في الساحل وتصاعد تأثير وتدبير الروس في ثلاث دول في الساحل، عبر تعاون وشراكات سياسية وعسكرية رسمية مع الحكام الجدد، شملت عقود تسليح وتكوين هامة.

وتنبعث من الزيارة ومن مضمون البيانات المصاحبة لها ومن صور اللقاءات التي التقطت أثناء استقبال الرئيس عبد المجيد تبون لمبعوث بوتين، وأيضا أثناء اللقاء الموسّع الذي جرى بين وفدي البلدين بوزارة الدفاع، في جلستي استقبال وعمل، العديد من التساؤلات والرسائل حول مدى وجود توافق بين موسكو والجزائر، بشأن عدة ملفات إقليمية ساخنة ومفتوحة على كل الاحتمالات في الأسابيع الأخيرة، وتحمل فرضيات مستقبلية كثيرة وآثار جانبية لكل خطوة أو قرار أو موقف محتمل.

وأحدث التواجد المضطرد للروس في شمال إفريقيا وما بدا من سياساتهم ونجاحهم في تعويض الشراكات والتواجد الفرنسي والأمريكي بنسبة كبيرة على الصعيد السياسي والعسكري والأمني، خلطا في الحسابات والتوازنات جذريا، فمنها ما هو منسجم مع الواقع القائم منذ سنوات وتصورات حكومات المنطقة، ومنها ما هو مناقض لها ويستدعي المزيد من التنسيق والحوار حتى يتم تقريب وجهات النظر وتخفيف التضاد تفاديا لتشكّل الفراغات واستغلالها من قبل عرابي الفوضى.

وبقدر ما تدرك حكومات المنطقة ومنهم الجزائر، الرغبة الروسية في "منازلة" و"منافسة" الغرب، بقدر ما تحرص على حدود مصالحها الحيوية وأمنها القومي، لدرجة أنها تتناقض أحيانا في بعض الملفات الأخرى مع موسكو، بحكم اختلاف السياسات والأجندات والمقاربات، وكذا تأثرا بعوامل الجغرافيا السياسية والقناعات والمبادئ التي تنطلق منها السياسة الخارجية للبلدين.

وضمن هذا التشخيص، يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور شاكر عبد الرزاق محفوظي، أن العلاقات بين الكرملين والمرادية مقبلة على مرحلة جديدة بحكم ما فرضته المتغيرات في منطقة الساحل والصحراء وتصاعد واحتدام المنافسة والمصالح المتضاربة بين روسيا والقوى التقليدية التي تسعى إلى السيطرة على عدة مناطق وحماية مصالحها.

ومن الإجحاف، وفق المتحدث، حصر الزيارة والعلاقات عموما في الساحل وليبيا، كون ما بين البلدين أكبر بكثير، ويشمل أيضا نقاط تقاطع كثيرة في عدة أزمات دولية، على غرار العدوان الصهيوني على غزة واحتمالات توسّع الحرب في الشرق الأوسط وغيرها من الملفات المطروحة.

وفي تحليل المتحدث، فإن روسيا بحاجة إلى التنسيق مع الجزائر، خاصة أنها صارت تلعب دورا وتسعى لملء الفراغ واستغلال التراجع الذي تعرفه القوى الاستعمارية القديمة، مستغلة كل الأوراق التي بحوزتها، على غرار شركة "فاغنر" والمساعدات والتسليح وطرح نفسها كبديل لا يسعى إلى الهيمنة على الشعوب. وفي نظر محفوظي، فإن مستوى الاستقبال من قبل الرئيس وقيادة الأركان، يعكس أهمية الملفات التي تجمع بين البلدين والشراكة الاستراتيجية المعمّقة بين العاصمتين، مشيرا في رده على سؤالين حول إمكانية اعتبار التنسيق مؤشرا إيجابيا في حد ذاته، ولماذا تحرص عليه موسكو مع الجزائر، إلى أن ثمّة اعتبارات تتعلق بدور الجزائر وعلاقاتها المتشعّبة مع مختلف الأطراف الإقليمية حتى مع دول الساحل واعتمادها على إدارة علاقاتها بالاعتماد على القنوات الرسمية والرزانة.

وأشار المتحدث إلى أن الدول الفاعلة بمختلف مواقعها، تقدّر مكانة الجزائر ومدى تأثيرها في محيطها وأهمية التنسيق معها من أجل إنجاح أي مشروع وأي دور محتمل في المنطقة، والحفاظ على التوازنات لإدارة مختلف الأزمات القائمة في المنطقة.

وبالنسبة لمدى وجود نقاط تعارض بين موسكو والجزائر، على غرار الملف الليبي، حيث يشهد اختلافا جزئيا بين البلدين؟ أين تتعامل الجزائر مع حكومة طرابلس الشرعية، في حين يدعم الروس الجنرال حفتر في شرق البلاد، وأيضا التوتر الأخير بين مالي والجزائر، ينبّه محفوظي إلى أنه بعيدا عن ثنائية التوافق والتعارض، يتعيّن على المتابعين إدراك وفهم منطق الجزائر في التعامل مع الآخر وتبنى عليه سياساتها. مشيرا إلى أن كل الدول، بما فيها الدول المختلف معها، تدرك أن الدبلوماسية الجزائرية قائمة على مبادئ ثابتة وأثبتت صحتها الأيام في عدة مناسبات، لأنها لا تقوم على دوافع توسّعية أو مصلحية، بخلاف الدول الأخرى التي تفهم هذا الأمر جيدا.