أعلن عبد الله باتيلي، المبعوث الخاص للأمين العام إلى ليبيا استقالته اليوم بعد أن قدم تقريرا سلبيا عن الأوضاع في ليبيا وعن إحباطاته بسبب التدخلات الخارجية في الشأن الليبي.
وقال إن هناك دولا مؤثرة، دون أن يسميها، تتدخل في الشأن الليبي كما أن "الإصرار الأناني" للقادة الحاليين في ليبيا على الحفاظ على الوضع الراهن من خلال "التكتيكات ومناورات المماطلة على حساب الشعب الليبي"، والتي يجب أن تتوقف، دفعته إلى الاستقالة رغم أنه حاول بكامل إمكانياته أن ينقذ ليبيا من أزمتها ووقف التدخلات الخارجية إلا أنه وصل إلى حافة من اليأس يرى أنه من الأفضل أن يستقيل من منصبه.
وقال ردا على سؤال من الصحافة "نعم لقد قدمت استقالتي للأمين العام ووضحت الأسباب التي من أجلها استقلت. والأمر متروك للأمين العام ليستخلص النتائج من استقالتي".
وعند سؤاله حول تسمية الدول التي تتدخل في الشأن الليبي، قال "ليس من الضرورة أن أسمي الدول ولكن كان هناك مبادرات ومسارات خارج إطار الأمم المتحدة وبعضها كان يعطل عمل الأمم المتحدة ما أعطى فرصة لأطراف ليبية لاستخدام تكتيكات لتأخير عملية التعافي من الأزمة الليبية". وقال ما دام بعض الليبيين حاليا يريدون الوضع الحالي أن يستمر والدعم الخارجي يشجعهم على الاستمرار في الحفاظ على مصالحهم فالوضع الحالي سيظل على ما هو عليه.
وقال باتيلي إن الشعب الليبي يريد أن يخرج من هذه الأزمة ولكن بعض القيادات لا تريد للأزمة أن تنتهي ويتلقون دعما من الخارج ولا يمكن للأمم المتحدة أن تنجح لأن هناك من يعطل العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. وقال "حاولت. وضعت كل إمكانياتي، زرت جميع المناطق الليبية شمالا وجنوبا، شرقا وغربيا، والتقيت بكل أصحاب المصالح، والتقيت بكل أطياف الشعب الليبي وسمعت إلى أصوات الشعب الليبي. لكنني لا أستطيع أن أفرض حلا على الشعب الليبي. مجلس الأمن هو الذي يملك المسؤولية الأخلاقية للنظر في ولاية البعثة وكيف يمكن أن تنجح. أما إذا سنعتمد على القيادات الليبية فلن ننجح".
وقال إن مجلس النواب انتخب عام 2014 أي قبل عشر سنوات. "مددوا ولايتهم عندما اقتربت من النهاية. المجلس الرئاسي انتخب عام 2012 أي منذ 12 سنة. ليبيا تعيش مرحلة انتقالية، شرعيتها يمكن تحديها والشعب الليبي يتحداها فعلا. عليهم أن يسمحوا للشعب الليبي أن يذهب نحو الانتخابات لتجديد الشرعية وانتخاب شرعية جديدة. لكن عرضت مبادرات تقوض ما اقترحناه. أشعر بالأسف للشعب الليبي الذي يستحق قيادة أفضل من هذه. منذ عام 2011 لم يعيشوا الديمقراطية التي وعدوا بها، إضافة إلى فوضى أمنية، وتعقديات اقتصادية. الشعب الليبي الآن أفقر مما كان عليه عام 2011 مع أن البلاد من أغنى دول المنطقة". وشدد باتيلي على أنه لا يجب السماح للمصالح الضيقة لقلة من الناس بأن تطغى على تطلعات 2.8 مليون ناخب مسجل في ليبيا.
وكان باتيلي قد قدم إحاطة حول الوضع في ليبيا أمام مجلس الأمن اليوم الثلاثاء، قال باتيلي "إنه يشعر بخيبة أمل عميقة، فمن لأن يرى أفرادا في مناصب السلطة يضعون مصالحهم الشخصية فوق احتياجات بلدهم".
والسيد عبد الله باتيلي يرأس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) منذ 18 شهرا. وأكد في إحاطته للمجلس أن الليبيين بكافة أطيافهم، من الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمعات المختلفة، وقطاع الأعمال والمجموعات العسكرية والأمنية وكذلك النساء والشباب، قد عبروا له عن نفاد صبرهم وطالبوا بكسر الجمود الحالي وإنقاذ بلادهم من ديناميكيات الفوضى والفشل.
وأشار باتيلي إلى تكثيف اتصالاته مع أصحاب المصلحة الليبيين الخمسة الرئيسيين منذ دعوته لهم إلى الحوار لحل جميع القضايا المتنازع عليها المتعلقة بالقوانين الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة، حيث اقترح طرقا لمعالجة مخاوفهم مع الحفاظ على سلامة مبادرة الحوار كما تم اقتراحها في الأساس. وأضاف أنه لسوء الحظ، "قوبلت محاولاتي لمعالجة مخاوفهم بمقاومة عنيدة، وتوقعات غير معقولة، ولامبالاة بمصالح الشعب الليبي".
وأشار الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا إلى أن الشروط المسبقة التي طرحها القادة الليبيون تتعارض مع نيتهم المعلنة لإيجاد حل للصراع بقيادة ليبية ومملوكة ليبياً، وأنهم حتى الآن، لم يظهروا حسن نيتهم. ونبه إلى أنه يتم تحفيز تلك المواقف الراسخة من خلال المشهد الإقليمي والعالمي المنقسم، مما يؤدي إلى إدامة الوضع الراهن الذي قد يعرض ليبيا والمنطقة لمزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن.
وقال المسؤول الأممي إنه منذ نهاية عام 2022، واجهت الجهود التي تقودها الأمم المتحدة للمساعدة في حل الأزمة السياسية في ليبيا من خلال الانتخابات نكسات وطنية وإقليمية، مما كشف عن تحدي متعمد للانخراط بشكل جدي وإصرار على تأخير الانتخابات بشكل دائم.
ولفت باتيلي إلى تزايد المخاوف بشأن إضعاف الإجماع الدولي بشأن ليبيا بين الليبيين، "حيث أصبحت بلادهم ساحة للتنافس الشرس بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية بدافع من المصالح الجيوسياسية والسياسية والاقتصادية، فضلا عن المنافسة التي تمتد إلى ما هو أبعد من ليبيا وتتعلق بجيرانها".
وحول الوضع الاقتصادي في ليبيا قال إنه يشهد إنهاكا شديدا، وسط تحذيرات من مصرف ليبيا المركزي من أزمة سيولة وشيكة. ودعا السلطات الليبية إلى علاج ليس فقط الأعراض، بل أيضا الأسباب الجذرية للممارسات الاقتصادية والمالية الضارة المستمرة، مضيفا أن هذه الممارسات تؤثر على البلاد بأكملها، وعلى رفاه عامة السكان، بينما تمكن أصحاب المصلحة الليبيين من الحفاظ على الوضع الراهن. وحث السلطات الليبية على الاتفاق بسرعة على ميزانية وطنية ومعالجة أوجه القصور الكبيرة بشكل حاسم في الإدارة الشفافة والعادلة والمسؤولة لموارد الدولة لصالح جميع الليبيين، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق المهمشة في الجنوب. وشدد كذلك على ضرورة إعطاء الأولوية للتمكين الاقتصادي للمرأة، مضيفا أنه على الرغم من الإمكانات الكبيرة المتاحة للمرأة للمساهمة في الاقتصاد الليبي، إلا أن هناك حواجز هيكلية مختلفة تعيق مشاركتها. ودعا باتيلي إلى تكثيف الجهود لتمكين المرأة من المشاركة الكاملة في الاقتصاد، وضمان مساهمة النساء والرجال على حد سواء في ازدهار البلاد.
وحذر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا من أن البعد الاقتصادي للتحالفات المتغيرة بين الجهات الفاعلة المؤسسية والسياسية والأمنية يشكل اتجاها مثيرا للقلق مع احتمال متزايد لتقويض السلام والاستقرار، مشيرا إلى أن هذا الاتجاه كان واضحا بشكل خاص في غرب ليبيا، لا سيما في مدن مثل طرابلس ومصراتة. وأضاف: "إن وجود جهات مسلحة وأسلحة ثقيلة في العاصمة الليبية يعد مصدر قلق كبير لأنه يشكل تهديدا كبيرا لسلامة السكان المدنيين".