بعد ستة أشهر من بدء العدوان الصهوني على قطاع غزة، والذي بررته دول غربية بحق الكيان الدفاع عن النفس، خلال هذه المدة قتل أكثر من 23 ألف فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ دون أن يحرك ذلك المواقف المتواطئة التي لا زالت تبرر للكيان مجازره، فهل تبرر له أيضا إقدامه على قتل موظفي إغاثة المطبخ المركزي العالمي وموظفي الأونروا؟
بنى الكيان الصهيوني كل جرائمه من تقتيل الفلسطينيين وتجويعهم بغزة وإعدام كل مظاهر الحياة بها، على مبرر وحيد وأوحد هو مبدأ الدفاع عن النفس، وهو المبدأ الذي تتخفى من ورائه كل الدول التي ساندت العدوان الصهيوني إلى غاية اليوم.
فلم تجد هذه الدول أي شيء يحيل بأن ما يجري في غزة هو جرائم إبادة، رغم كل ما يبثّ عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل لصور مجازر تعتبر الأفظع في التاريخ الحديث، لكن مع ذلك بقيت على موقفها الداعم والمبرر للكيان تحت مبرر الدفاع عن النفس، لكن هل بعد تصفية الكيان لموظفي الإغاثة التابعين للمطعم المركزي العالمي بدم بارد، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص يحملون جنسيات أستراليا وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا وفلسطين، يجد مبرر الدفاع عن النفس مكانا له في مواقف هذه الدول من الحرب والعدوان على غزة.
وتفاصيل الجريمة كلها تدين الكيان، حيث كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن السيارات التي كانت تقلّ طاقم الإغاثة "تحركت على طريق تمت الموافقة عليه مسبقًا من قبل الجيش الإسرائيلي وتم تنسيق رحلتها أيضا مع الجيش"، وأشارت إلى أن غرفة العمليات المكلّفة بـتأمين الطريق هي من أمرت بأن تقصف طائرات دون طيار السيارات الثلاث التي كانت تقلّ طاقم "المطبخ المركزي العالمي"، فهل قصف هؤلاء كان في إطار الدفاع عن النفس؟ كيف ستفسر وكيف ستقنع الحكومات التي قتل مواطنوها وهي كلها دعّمت الكيان في عدوانها ودافعت عن مبرر الدفاع عن النفس، عائلات الضحايا والرأي العام في هذه الدول، أستراليا وكندا والولايات المتحدة وبولندا وبريطانيا؟
رئيس الوزراء البولندي قال إن الضربة الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل موظفي إغاثة، من بينهم مواطن بولندي في قطاع غزة، ورد فعل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو تسببا في "غضب مفهوم" وتوتر للعلاقات مع وارسو.
وكتب دونالد تاسك على منصة "إكس": "السيد رئيس الوزراء نتنياهو والسيد السفير ليفني، أبدت الغالبية العظمى من البولنديين تضامنا كاملا مع إسرائيل بعد هجوم حماس.. اليوم تضعون هذا التضامن أمام اختبار صعب حقا، الهجوم المأساوي على المتطوعين ورد فعلكم يثير غضبا مفهوما".
إن قتل موظفي الإغاثة ليس فقط امتحان صعب للتضامن الغربي مع الكيان الصهوني، بل في الحقيقة امتحان للمواقف الداعمة للكيان الذي يعلم الجميع بأنه قوة احتلال وتأكيدا لعدم صوابها، ولا يمكن أن نتحدث عن مبدأ الدفاع عن النفس بالنسبة لقوة معتدية، التبرير باستخدام هذه الحجة لارتكاب هذه الفظاعات في الحقيقة هو تواطؤ ومشاركة في كل المجازر التي يرتكبها الاحتلال في غزة وخارج غزة بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
ما جرى مع متطوعي "المطبخ العالمي"، ليس حادثا معزولا، بل هو عملية ممنهجة تستهدف كل المتطوعين وعمال الإغاثة، إذ بلغ عدد قتلى موظفي الوكالة بنيران الجيش الصهيوني 130 فردا، دون أن يحرك ذلك المواقف الدولية.
كل يوم يمر تتكشف أكثر فأكثر حقيقة الكيان الصهيوني الذي بدأ يفقد التعاطف والدعم على مستوى الرأي العام العالمي، وتتكشف أيضا ازدواجية المواقف والخطاب بالنسبة للدول الكبرى لا تزال تدافع عن الكيان وتواصل مدّه بالأسلحة والذخائر التي تقتل الفلسطينيين وحتى مواطني هذه الدول مثل ما جرى مع ضحايا "المطعم العالمي".