38serv

+ -

لم يترك الرئيس عبد المجيد تبون، المجال لتأويل تصريحاته الواردة في لقائه الإعلامي الأخير مع الزميلين فاتح بومرجان وابراهيم تخروبت، وخاصة في النقطة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية المبكرة في السابع سبتمبر القادم.

كان من الضروري أن يفتح الرئيس تبون هذا الباب أمام الإعلام الوطني الذي استغرق في الصمت وفي عدم التطرق للرئاسيات، بالرغم من أنها حديث الساعة وقضية الجوار والعالم معا لما تعرفه الجزائر من تحولات، وخاصة من تأثير إقليمي ودولي بارز وواضح للعيان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة التي يرتكز عليها الاستقرار والسلم الدوليين.

الكثير من المتابعين يتساءلون عما إذا كان الرئيس تبون يرغب في الاستمرار في الحكم لفترة رئاسية ثانية. جواب الرئيس تبون على هذه الأسئلة العلنية والخفية، كان واضحا بتأكيده على أنه يفضّل استكمال برنامجه الرئاسي قبل الخوض بشكل صريح ومباشر في الانتخابات ومستقبله السياسي.. من دون أن يغلق الباب أمام فكرة الاستمرار الذي يعتبر في عيون الكثير من المراقبين ترسيخ للاستقرار السائد في أغلب المجالات.

وفي موقع آخر من المقابلة التي بثت على القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة، تحدّث الرئيس تبون بشكل صريح أيضا وواضح عن ما يمكن أن سيكون ضمن التزاماته الرئاسية القادمة في حال أعلن بشكل رسمي ترشحه لاستحقاق السابع سبتمبر، وذلك لدى حديثه عن أولوية المواطن في سياسته، لا سيما في الشق المتصل بتحسين وتثمين أجور الموظفين ومضاعفة الناتج الداخلي الخام بالمائة خلال العامين المقبلين، بعدما نجح في إعادة المؤشرات المالية الكلية إلى الخانة الخضراء مثلما التزم بذلك في وثيقة الالتزامات الـ 54.

ومما يدل على وجود مؤشرات على استمرار الرئيس تبون في الحكم، ما يعكف على التحضير له من سيكونون منافسين له في السباق الرئاسي، من قادة أحزاب وشخصيات قادرة على الوفاء بشروط الترشح المنصوص عليها في قانون الانتخابات، من حيث جمع التوقيعات المطلوبة وطنيا ومحليا.

وقبل الإعلان عن التاريخ الجديد للرئاسيات، ظلت الساحة السياسية تتحدث عن الموضوع على استحياء في الصالونات السياسية والحزبية المغلقة، وعند البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الدولة، من دون أن يكون لهذه الجلسات واللقاءات أي صدى إعلامي، عدا بعض المحاولات هنا وهناك على مواقع إخبارية غير معرفة الهوية ووسائل إعلام أجنبية استغرقت في استقراء الغيب بمعلومات مشوّشة ومضلّلة.

في خطابه أمام غرفتي البرلمان في 25 ديسمبر الماضي، تفادى الرئيس تبون الحديث صراحة عن مستقبله السياسي، بالرغم من محاولات جرّه من طرف مسانديه في البرلمان بدعوته إلى مواصلة المسيرة التي بدأها في 2019، وكان يرد عليهم وعلى دعواتهم بعبارات مقتضبة على شاكلة "إذا أعطانا الله الصحة وكل شي في وقته...".

وبالموازاة مع ذلك، لم تفوّت مجلة "الجيش" فرصة صدورها إلا وخصصت في افتتاحياتها حيزا معتبرا للتذكير بإنجازات الرئيس تبون ووفائه بالتزاماته الـ 54 وبنهجه "الصحيح والسليم" ضمن مشروع الجزائر الجديدة الذي اتخذه غاية وشعارا لبرنامجه الرئاسي.

وعلى هذا المنوال، سار رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، في مقالات نشرت في "الخبر"، مبرزا هو الآخر الإنجازات المحققة في العديد المجالات وبالأخص على الصعيد الدبلوماسي، حيث سجلت الجزائر عودتها القوية والمشهودة في المحافل والمنابر الدولية، آخذة على عاتقها نصرة القضايا العادلة في العالم والحديث بصوت عال عن الظلم المسلّط على الشعوب المضطهدة بلا حسابات ضيقة.

 

محطة حاسمة

 

إن الرئاسيات القادمة هي بمثابة محطة أخرى من المحطات التاريخية التي تستعدّ الجزائر للوصول إليها، وهي مكتملة ركائز القوة والريادة والاستقلالية في صناعة واتخاذ القرار السيادي، وهو ما سمح للقوى الكبرى لأن تأخذ بالحسبان الرؤى الصائبة التي تساهم بشكل فعال ومجد في تجنيب البشرية ويلات الأزمات والنزاعات غير محسوبة العواقب، وبالتالي الابتعاد عن السقوط في الأخطاء التي جنت على الإنسان في العقود السابقة بفعل الاستئثار بالقرار الدولي والغرق في مستنقعات الإبادة الجماعية للشعوب خدمة لأجندات مشبوهة، ظالمة ومكرّسة للطغيان والهيمنة.

ومن شأن النقاش حول الرئاسيات، أن يفتح المجال واسعا أمام بروز أفكار جديدة وجديّة تصبّ في اتجاه تحصين السيادة الوطنية وخدمة المصالح العليا للبلاد، فضلا عن الإسهام في إرساء تقاليد حديثة وخطاب متجدّد يسلّط الضوء على النقائص ويقدّم الحلول والبدائل، بعيدا عن الانتقاد الهدام المغلّف بالحسابات الشخصية الضيقة واستغلال العواطف مثلما كان سائدا في الماضي.