القيم الدينية الإسلامية ودورها في إرساء ثقافة العيش المشترك

+ -

احتضن جامع الجزائر أمس، الندوة الرابعة والأخيرة في إطار الطبعة الثالثة من “منتدى الفكر الثقافي الإسلامي”، الذي يعقد كل أسبوع من الشهر الفضيل تحت شعار “القيم الحضارية ورهانات المستقبل”، تحت عنوان “القيم الدبلوماسية الثقافية والدينية”، بحضور نخبة من رجالات الفكر والثقافة في الجزائر.

ترأس الندوة الأمين العام لرابطة علماء وأئمة الساحل الإفريقي الدكتور لخميسي بزاز، وشارك فيها كل من: الدكاترة سعيد رحماني، مدير جامعة الجزائر2، وعمر بركات؛ أستاذ علم الاجتماع بجامعة مصطفى اسطمبولي بولاية معسكر، وعبد الوهاب بلغراس؛ الباحث في مركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية “كراسك”.

أوضح الدكتور عمر بركات في مداخلته “القيم الدينية وأسئلة العيش المشترك بين الخصوصية الإسلامية والكونية العالمية”، أن القيم تعتبر “مقاييس أو سلم الأفعال الإنسانية حيث بها يتفاعل الأفراد فيما بينهم ويتوقعون أفعال بعضهم”، مشيرا إلى أنها “ترتبط أيضا بالأخلاق وتزيد عمقا في منبعها الديني حيث تحاط برمزية المقدس وصدق المعتقد”.

وشدد الأستاذ بركات إلى أنه “حينما نتحدث عن العيش المشترك وهو من مقولات الفكر الحديث الرامي إلى قبول الآخر بعيدا عن خطاب الكراهية والتطرف والتعصب”، ولفت المتحدث إلى أن القيم الدينية الإسلامية “تؤدي دورا في العيش المشترك من خلال قيم أخلاقية جماعية تبدأ بالابتسامة وبعدها الكلمة الطيبة وصولا إلى العيش بسلام في رمزية إلقاء السلام”.

من جهته، اعتبر الدكتور عبد الوهاب بلغراس، في مداخلته “القيم الإنسانية في الخطاب الصوفي، عودة إلى التجربة الجزائرية”، أن “المشروع الروحاني المبني على أساس إسلام صوفي متشبع بالقيم الإنسانية، والهادف إلى الخلاص الدنيوي والخلاص الأخروي، مشروع قيم يعتبر الغيرية مجازا ووهما، مشروع يحمل روحانية حيوية بعيدة عن الدوغمائية والمذهبية الضيقة”.
وأكد بلغراس أن هذا المشروع “يدعو إلى التكامل بين الروحانية والتقنية بين القيم والحداثة، ويجعل من الإنسانية كلها متكاملة”، موضحا أن هذا المشروع “بدأه عبد القادر الجزائري، وقبله ابن عربي، ويجسده اليوم فعليا الكثير من الشيوخ الصوفية في الجزائر وخارجها، بعيدا عن الممارسات الفقهية الضيقة”، وأضاف “هذا المشروع هو وحده الكفيل بنشر ثقافة السلم والقيم الإنسانية نظريا وممارسة”.

واستعرض الدكتور بلغراس “الأنثروبولوجيا الدينية المغاربية” التي قدّمت حسبه عدة نماذج لدراسة أدوار الزوايا في المنطقة وفي الجزائر على وجه الخصوص، إما على مستوى محاربة الاستعمار أو على مستوى الحفاظ على التماسك الاجتماعي ونشر القيم والحضارية والثقافية والاجتماعية، موضحا أن هذه الأعمال “تسمح بإعادة مساءلة المؤسسة الصوفية بوصفها مؤسسة تبدو في ظاهرها تقليدية من حيث هيكلتها ولكنها معقدة في وظائفها، لدرجة أنها تقترب من الحداثة، لحضورها في جميع مجالات الحياة”.

وحاول المتحدث “اختبار طبيعة هذه الوظائف التي تجمع بين الديني والدنيوي الاجتماعي والسياسي، وذلك بالتركيز على الطرق الصوفية التي لها زوايا موجودة في كل المدن الجزائرية بل وحتى في العالم”، مشيرا إلى أهم القيم ذات البعد الإنساني “المعاملة الحسنة مع الناس والصبر على أذاهم والتعامل الحسن معهم بالتسامح والعفو والإيثار، وسعي الشيوخ المتصوفة لمعالجة المشاكل اليومية للناس والمطالبة العلنية بحقوق الشعب والتدخل لدى الحكام من أجل قضاء حوائج العوام، إلى جانب الكفاح المسلح أحيانا عندما يتعلق الأمر بالغزو الأجنبي للبلاد الإسلامية”.