اكتساح نجوم "السوشيال ميديا" للدراما الجزائرية يثير الجدل

+ -

المتابع لدراما رمضان الجزائرية التي تبث خلال الشهر الفضيل يلاحظ ظهور قوي بل و اكتساح لنجوم  السوشل ميديا ومؤثرو  مواقع التواصل الاجتماعي، والحقيقة أن الظاهرة ليست وليدة رمضان الحالي، بل تعود لسنوات، لكن عودتها هذا الموسم كان قويا، ومن المؤثرين من ظهر في دور البطولة، كالفنانة نوديا لزول التي تتقاسم دور البطولة في مسلسل "دموع لولية" مع الفنان حسان كشاش، كما تشارك في دراما رمضان الناشطة على منصة "تيك توك" نوران حريد، و المؤثرة هنا منصور و الكوميدي التيكتوكر سيد احمد بلحسين و اخرون، "الخبر" فتحت نقاش مع مختصين حول " دواعي إشراك المؤثرين في الدراما وهل هو أمر صحي يخدم المسلسلات الجزائرية؟".

أوضح الدكتور خليل بن عزة، أستاذ وباحث في اقتصاديات الميديا، وناقد إعلامي انه في السنوات الأخيرة، يلاحظ بجلاء اتجاه العديد من محترفي الصّناعات الثقافية عموماً والدراما على وجه الخصوص، إلى استقطاب مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يطلق عليهم تسمية "المؤثرون"، والذين صار لهم حضور لافت بتجسيد أدوار وتقمص شخصيات في العديد من الأعمال الدرامية الرمضانية. وقال في تصريح لـ "الخبر" أن هذا ما خلق سؤالاً جوهريا يتداوله الكثير من المتخصصين والنقاد: كيف استطاع هؤلاء سحب البساط من المتخصصين الأكاديميين في مجال الفن والدراما والسينما وكل ما يدور في فلك الصّناعات الثقافية عموما؟.

 

الدواعي التسويقة فرضت انتقاء مشاهير السوشيال ميديا للأعمال الدرامية

 

 حسب الدكتور بن عزة فإن الكثير من المنتجين يبررون، الإستعانة بهؤلاء "المشاهير" إلى ضخ دماء جديدة في ظل ضعف مستوى التكوين الأكاديمي الفني الدرامي، لذلك وجدوا في الشاشات الميديائية الصغيرة فضاء خصبا لانتقاء مواهب وطاقات إبداعية، وإظهارها على الشاشة التلفزيونية. فمواقع التواصل يقول هي منصات جاهزة ككاستينج سريع، ونجومها لهم قدرة عالية على تسويق أنفسهم، "ووجودهم في الأعمال الفنية سيساهم في جذب عدد أكبر من المشاهدين، إلى جانب العملية التسويقية الأكبر للعمل الفني". أما من الناحية الفنية، فيرى ان لهم بعض التأهيل للوقوف أمام الكاميرا والظهور عبر الشاشة كممثلين، ويسهل بعد ذلك على  المخرج تطوير أدائهم التمثيلي، "أي أنهم يمتلكون بذرة النجومية بما أنهم استطاعوا الحصول على القبول الجماهيري من خلال ما يقدمونه عبر مقاطع الفيديو التي ينشرونها عبر حساباتهم الخاصة، والتي هي بمثابة شاشة سينمائية صغيرة، ولأننا نتحدث عن صناعة ثقافية اعلامية ذات غرض ربحي في نهاية المطاف، من البديهي أن يحظى من يملك أكثر من مليون متابع باهتمام صناع الدراما ومنتجيها على حساب الشباب المغمور وإن كان موهوبا ومتكوّنا في مسارح ومدارس فنية أكاديمية".

 أكد بن عزة انه بالمقابل لا يمكن إنكار وجود بعض المواهب المؤهلة -على قلتها- من المؤثرين، "ونتفادى الرفض الراديكالي لكل ما تقدمه السوسيال ميديا للساحة الفنية من ممثلين، ذلك أن بعضهم يملك من الموهبة والأداء المميز ما يؤهله ليكون ممثلا جيدا"، كما يعتقد أن تواجد وحضور هؤلاء، مع نجوم التمثيل الكلاسيكيين أو الأكاديميين في أعمال واحدة، تعتبر خطوة عملية تضيف لكلا الطرفين وللعمل الفني نفسه وللعملية التسويقية للعمل ككل.. "لكن، ومع احترامنا الشديد لكل ما قُدم ويُقدَّم من قِبل المنتجين والمخرجين من أعمال فنية مؤخرا، نعتقد أن أغلبها لم يخرج عن الإطار التّقليدي، وما زالت نقاط  الضُّعف الرئيسية تتمثل في ضعف انتقاء السيناريوهات أولا، ومشاكل كبيرة في عنصر التّمثيل ثانيا".

 

الظاهرة ايجابية لكن يجب مراعاة الصدق الفني للعمل الدرامي

 

اعتبر السيناريست و الكاتب احسن تليلاني إشراك المؤثرين في دراما رمضان ظاهرة عامة أصبحنا نراها حسبه في مختلف المسلسلات العربية و ليس الجزائرية فقط، لأن السوشل ميديا حسبه فرضت نفسها بقوة في حياتنا المعاصرة، فهؤلاء الأشخاص المؤثرون في "التيك توك و الفايسبوك و الانستغرام" صاروا يصنعون التراند، و لهم متابعون و عشاق بالآلاف و الملايين، مما يجعل المخرجين يستعينون بهم من أجل تحقيق الإشهار و الدعاية الكبيرة لأعمالهم الدرامية، و قد رأينا فعلا كيف أن الكثير من وجوه السوشل ميديا  أصبحت تتحكم في شهرة الأعمال الدرامية.

هذه الظاهرة كما قال "فيها و عليها، فهي من جهة جيدة، لأنها تجلب جمهور المشاهدين الذين أصبحوا يعشقون و يثقون في مؤثري التواصل الاجتماعي، خاصة إذا كان هؤلاء المؤثرون على قدرة عالية في الأداء و التمثيل، و هي سلبية إذا كان إشراك هؤلاء المؤثرين يؤدي إلى الإخلال بالصدق الفني للعمل الدرامي، لأن التمثيل ليست عملية متاحة لمن هب و دب، بل هي مهنة شاقة تقتضي الموهبة و الدربة"، و لذلك لا يجب على المنتج أو المخرج أن يضحي بجودة المسلسل التلفزيوني حسبه و هو يجري خلف التراند الذي يحققه له إشراك مؤثري السوشل ميديا، لأن التراند بالتأكيد عارض و وقتي و ليس دائما، "بل إن الكثير من التراندات إذا جاز التعبير مفبركة و ليست حقيقية، فهؤلاء المؤثرون كثيرا ما يعمدون إلى خلق شهرتهم بواسطة تجنيد مجموعة من الفايسبوكيين يمدحونهم و يروجون لخرجاتهم التي ينشرونها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي".

 

الممثل بين مطرقة السوشل ميديا وحمى البريكول من أجل لقمة العيش

 

يقول الكاتب و القاص سعيد فتاحين "كان الممثل في زمن الأسود والأبيض خريج المسرح الحالم بالسينما و حتّى أن الأدوار كانت تعرف تنافسًا بين الفرق المسرحيّة، الذي صنع جيلاً ذهبيًا أطرب المشاهدين في زمن التسعينات وأبدع في رصد حال المجتمع الجزائري آنذاك"، وتأسف أنه اليوم فقد صار الممثل في عصر الرأسماليّة المتّوحشة هو مشروع صانع محتوى في مواقع التواصل الاجتماعي يملك عددًا من المتابعين لكي تجده يكتسح الأدوار في المسلسلات الجزائريّة الرمضانيّة دون دراية بفن التّمثيل أو طاقة الممثل أو تقمص الشخصيّات لأنه لم يصعد فوق خشبة المسرح يوما "وفي اعتقاده أن الكوميديا التي يصنعها شفيعة بأن يقدم تمثيل حقيقيًا أمام المرايا، في الوقت أن تقمص ولعب دور يحتاج إلى محاولة معرفة أعماق الشّخصية وتحولاتها الدراميّة و الغوص لمحاولة الحديث بلسان غيّر متصنع أو زائف وهذا ما نشاهده في العديد من النماذج البشرية التي تحاول ممارسة التمثيل في المسلسلات الجزائريّة بسيناريوهات شحيحة التأثيث"، و اضاف "بين هذا وذاك أثرت هذه الظاهرة على مستوى تراجع أداء الممثلين المحترفين داخل المسلسل إذ لا يستطيع الممثل أن يتلائم في بعض الحوارات الفارغة مع ممثلي مواقع التواصل الاجتماعي ولكنه يحاول، إن هذه الأزمة تفتح لنا العديد من المآلات التي جعلت الممثل بين مطرقة السوشل ميديا وحمى البريكول من أجل لقمة العيش".