"العنف".. "يضرب" الكرة الجزائرية

+ -

ضربت موجة العنف الملاعب الجزائرية وطغت على المشهد الكروي، تزامنا مع انطلاقة مرحلة العودة ودخول أندية في حسابات البقاء وأخرى في صراع على المراكز الأولى في مشهد عهدناه كل موسم.

أصبح العنف بكل أشكاله، علامة مسجلة في الملاعب الجزائرية، رغم حزمة من الإجراءات والتدابير التي تبناها القائمون على الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص، على مدار السنين، دون الحد من هذه الظاهرة التي صارت تهدد حياة الأشخاص وتعرض المنشآت والمرافق للإتلاف.

وإذا كانت البطولة المحترفة في الواجهة، فإن العنف والشغب في الملاعب لم يقتصر على بطولة "الأضواء"، بل انتشر كالنار في الهشيم في بطولات الهواة والأقسام السفلى ولم ينج منها اللاعبون والمسيرون وحتى رجال الأمن وكذا المنشآت والمرافق العمومية.

وقبل الحديث عن الوسائل الردعية والإجراءات التي تم اتخاذها للحد من ظاهرة العنف، استوجب التطرق للأسباب التي عادة ما تكون وراء استفحال هذه الظاهرة وتؤجج غضب المناصرين، لكن في بعض الأحيان يكون الفاعل الرئيسي في الميدان هو "المعتدي"، مثلما حدث في مباراة من القسم الشرفي، عندما اعتدى لاعبو اتحاد جيجل على الحكم بالضرب في مواجهة أتلتيك تاسوست.

وفي الوقت التي تسعى بعض الدول لتلميع صورة بطولتها وتسويقها في أحسن حلة نحو الخارج، من خلال استقطاب النجوم لبطولتها المحلية، أصبح العنف وأعمال الشغب المشهد الطاغي على الواقع الكروي الجزائري، مثلما حدث في مباراة اتحاد خنشلة امام اتحاد الجزائر والذي شهدت اشتباكات بين أنصار الفريقين، في المدرجات قبل الانتقال إلى الشوارع بعد نهاية المباراة، وهو السيناريو نفسه الذي شهده ملعب 8 ماي بسطيف 1945 خلال لقاء الوفاق أمام العميد، والذي سجلت فيه خسائر مادية وجرحى في صفوف المناصرين ورجال الأمن.

ولعل أحداث مباراة اتحاد وادي سوف أمام نجم بن عكنون التي توقفت بسبب أحداث العنف، كانت الأخطر هذا الموسم والتي لم تكتف فيها لجنة الانضباط بالعقوبة على الفريق وادي سوف، بل وأصدرت الاتحادية بيانا شديد اللهجة تدين فيه بالعنف وتشدد على عزمها على محاربة هذه الظاهرة في بيان كتبت فيه "يلتزم الاتحاد الجزائري بشكل حازم باتخاذ جميع التدابير اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة، وضمان بقاء الملاعب أماكن للتعايش والاحترام المتبادل والاستمتاع باللعبة".

ولم تقتصر هذه الأحداث على ملعب سطيف وواد سوف وخنشلة فحسب، بل حتى ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة الذي أعيد فتحه بعد أشهر من أشغال تهيئته، تعرض للإتلاف في بعض مرافقه، بسبب دخول جماهير مولودية الجزائر في اشتباكات مع أنصار شباب الزاوية في لقاء كأس الجمهورية كردة فعلهم العنيفة من قرارات التحكيم، لتنتقل العدوى أيضا إلى ملعب 5 جويلية 1962 الذي تعرضت كراسيه للتحطيم بسبب عدم تقبل أنصار شباب بلوزداد هزيمتهم في المواجهة المحلية أمام اتحاد الجزائر.

وحتى في بطولة الهواة كانت بعض مبارياتها "دموية" على غرار مواجهة جمعية الخروب أمام شباب باتنة التي تعرض فيها لاعبو ومشجعو النادي الباتني، لاعتداءات مثلما كان عليه الحال في لقاء مولودية باتنة أمام اتحاد الحراش.

 ورغم تعاقب الوزراء ورؤساء الاتحادية وتشديدهم دائما على محاربة العنف في الملاعب، إلا أن الظاهرة استفحلت، خاصة وأن الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة لا تزال منتشرة.

 

غياب الردع وعدم تجهيز الملاعب بكاميرات المراقبة

 

أثبتت التجارب السابقة أن معاقبة الجماهير بالحرمان من حضور مباريات فريقه لم تحد من ظاهرة العنف، ما أدى بالمكتب الفدرالي إلى استحداث إجراء جديد في اجتماعه شهر ديسمبر الماضي من خلال تخيير النادي بدفع غرامة بقيمة 200 مليون سنتيم أو معاقبة الجماهير بحرمانهم من حضور المباراة.

وإذا كانت الأندية المصنفة في خانة "الفقيرة" قد تلجأ لخيار حرمان جمهورها من الحضور عوض دفع غرامة 200 مليون سنتيم، فان النوادي الكبيرة التي تملك شركات عمومية تدفع الغرامة بشكل عادي، ما يجعل المناصر بعيدا عن لغة العقاب والردع، ما يرشحه للتهور والقيام بنفس السلوكات غير الرياضية في كل المناسبات، لطالما أن الإدارة تدفع. هذه الوضعية جعلت بعض الأصوات تطالب بضرورة العودة إلى عقوبة حرمان الجماهير وإلغاء الخيار الثاني المتعلق بدفع الغرامة.

ونظرا لعدم امتلاك الملاعب الجزائري كامل التجهيزات العصرية على غرار كاميرات المراقبة، فإن الردع والتحكم في سلوكات الجماهير يكون صعبا، بل ويمكن المتهورين من الانفلات من العقوبة في عديد المناسبات باستثناء الملاعب الكبيرة والمستحدثة مؤخرا.

ولم يكن غياب التجهيزات وحده سببا في انتشار العنف وتمرد المناصر، بل حتى غياب التنظيم في المواعيد الهامة يؤدي إلى العنف مثلما حدث في مباراة الداربي العاصمي بين الاتحاد والمولودية والذي خلف وفاة مناصر بسبب الازدحام والظروف التنظيمية السيئة.

والسؤال الجوهري الذي يتبادر إلى الأذهان: كيف يتم إدخال الشماريخ والألعاب النارية إلى الملاعب؟ رغم أن القانون يعاقب من يستعملها خاصة وأنها تسبب أضرارا لدى الأشخاص وإتلافا للمنشآت.

 

الأخطاء التحكيمية والشبكات التواصل الاجتماعي تغذي العنف

 

يرى الكثير من العارفين لشؤون الكرة الجزائرية أن التحكيم يساهم بشكل مباشر في تنامي ظاهرة العنف، وبعيدا عن الاتهامات الموجهة للحكام خاصة خلال مرحلة العودة من البطولة فإن الأخطاء التحكيمية الواضحة كانت شرارة انطلاق أعمال العنف مثلما حدث في عدة مباريات على غرار ما جرى في مواجهة مولودية الجزائر أمام وفاق سطيف باحتساب الحكم سعيدي هدفا للوفاق احتج عليه لاعبو المولودية قبل طرد بلايلي، رغم أنه لم يكن وراء ارتكابه الخطأ ضد الحارس السطايفي، ما فجر غضب المشجعين في سيناريو تكرر أمام شباب الزاوية في ملعب تشاكر بالبليدة، عندما احتسب الحكم ضربة جزاء للزاوية، رغم أن الخطأ كان خارج منطقة العمليات.

وعليه، فإن إصلاح سلك التحكيم والتقليل من أخطاء الحكام من شأنه التخفيف من حدة العنف.

من جهتها، وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف منصاتها صارت منبرا يلجأ إليها الفاعلون في كرة القدم وحتى الجماهير سواء للدفاع عن مصالحها أو للتضليل، لكن في غالب الأحيان تؤجج بشكل رهيب العنف بكامل صوره وأشكاله، بل وصارت أداة لتغذية الكراهية وزرع الفتنة استوجب إخضاعها للمراقبة من طرف الجهات المختصة لطالما أنها تضرب الاستقرار وتهدد حياة الأشخاص.