تعددت المبادرات والهدف واحد، وهو إعادة ربط الجالية الوطنية في الخارج بالوطن الأم قلبا وقالبا، جسدا وروحا، وهو ما تعمل عليه النخب الوطنية في بلاد الهجرة منذ فترة ليس بالوجيزة، أملا في تحقيق غاية طال انتظارها.
على مر العقود الماضية، ظلت مسألة تنظيم وهيكلة الجالية الوطنية في الغربة مسألة حيوية ومقلقة بالنسبة للوطن الأم وللمغتربين أنفسهم، وكلما برق بصيص الأمل إلا وانهار كل شيء لأسباب مجهولة في كثير من الأحيان، وظل أبناء وبنات الجزائر الذين حملتهم الأقدار على الهجرة يترنحون يمينا ويسارا، ولم تعد تجمعهم بأرضهم سوى بعض المواعيد الانتخابية المتمثلة في الانتخابات التشريعية والرئاسية كل خمس سنوات، أو من خلال التظاهر فرحا في المناسبات الرياضية الدولية والحملات التضامنية أثناء الكوارث الطبيعية والأزمات الصحية مثلما حصل قبل ثلاث سنوات مع وباء فيروس كورونا.
ويتذكر الفاعلون في الميدان وأصحاب التجارب غير المكتملة كيف كانت تدار ملفات الجالية من طرف الحكومات السابقة، التي تميزت بعدم استقرار واضح بل وتردد في كثير من الأحيان في الخوض في هذا الملف، تارة بحجة عدم وجود رغبة لدى الجالية في الانتظام وتارة أخرى عدم أولوية التنظيم في ظل غياب رؤية سياسية واضحة.
لكن ومع مرور الوقت، اكتشف الجميع مدى خطورة استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وشعر الجميع بالقلق إزاء ما يعانيه أفراد الجالية الجزائرية في أوروبا، خاصة بفرنسا، من محاولات استقطاب أدت إلى تحويل بعض هؤلاء إلى معاول في أيدي واضعي مخططات ضرب الاستقرار، بل إلى أعداء للوطن الأم دون مسوغات واقعية.
ولأجل تدارك هذه الثغرات، طفت على السطح منذ فترة ليست بالبعيدة مبادرات ينتظر أن تنضج قريبا، في شكل هيئات تمثيلية للنخب الوطنية في الخارج ومنظمات غير حكومية تهتم بالجزائريين في المهجر، بهدف تنظيم الصفوف والدفاع بصوت واحد عن مصالحهم وحقوقهم التي تعود إليهم بموجب القوانين الوطنية لتلك الدول، فضلا عن حقوقهم التاريخية في وطنهم الأم مثلهم مثل جميع المواطنين المقيمين.
ومن ذلك، ما يقوم به المسجد الكبير في باريس والجمعيات التابعة له من أنشطة تهدف إلى ربط أبناء الجالية ونخبها في مناسبات وطنية ودينية وفي العطل، من خلال تنظيم زيارات إلى مختلف مناطق الجزائر، وعبر مشروع جديد سيرى النور قريبا تحت مسمى "أواصر"، ترعاه عمادة المسجد الكبير. ومن ذلك أيضا، مبادرة المجلس العالمي للجزائريين في المهجر، التي يشرف عليها مجموعة من المغتربين بدعم من سياسيين جزائريين في المجلس الشعبي الوطني ومنظمات المجتمع المدني، التي تتجه نحو التجسيد في غضون الأيام القليلة القادمة.
إن التأسيس لمثل هذه الجسور الجديدة والتمكين لما هو قائم في بعض الأقطار في العالم يحتاج إلى مرافقة حثيثة ودعم مستمر من جانب السلطات، من أجل أن تتمكن هذه الفواعل من تحقيق الأهداف التي من أجلها وجدت وأن تتجه نحو نشر الإشعاع الجزائري في العالم من خلال التعريف بما تنطوي وتزخر به هذه البلاد من مقدرات ومكامن التطور والازدهار بعيدا عن خطاب التيئيس والتشاؤم الذي كان سائدا في الفترات السابقة.