في بيان صحفي اعتمده مجلس الأمن مساء أول أمس، باقتراح من الجزائر عبر بعثتها الدائمة لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، طالب أعضاء المجلس المحتل الصهيوني بإبقاء المعابر الحدودية مفتوحة أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وتسهيل فتح معابر إضافية لتلبية الاحتياجات الإنسانية على نطاق واسع ودعم التوصيل السريع والآمن لمواد الإغاثة إلى السكان في جميع أنحاء قطاع غزة المحاصر.
في وجه الخروق الصهيونية المتكررة، شدد أعضاء المجلس على ضرورة اتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، مجددين التأكيد على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وكانت الجزائر قد تقدمت بمشروع بيان صحفي لمجلس الأمن خلال الاجتماع الذي دعت إليه عقب الهجوم الهمجي الذي شنه جيش الكيان الصهيوني يوم الخميس الماضي ضد المدنيين الفلسطينيين الذين خرجوا من منازلهم بعد أن نال منهم الجوع ما نال وأقعدهم اليأس بحثا عن مساعدات إنسانية طال انتظارها لسد رمقهم ورمق أطفالهم، وذلك جراء عراقيل وقيود وضعها المحتل الصهيوني إمعانا منه في إهدار كرامة الفلسطينيين والضغط على المقاومة الباسلة كي تستسلم لشروطه في صفقة الهدنة التي يجري التفاوض بشأنها بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية.
وقد قوبل البيان بدعم واسع من أغلبية أعضاء مجلس الأمن الدولي، إلا أن الموافقة عليه لم تتم إلا بعد مفاوضات حثيثة بين المبادر به وحامل قلم المشروع الجزائر من جهة وواشنطن وموسكو من جهة أخرى، حيث أكدت مصادر دبلوماسية على اطلاع بمسار المفاوضات لـ"الخبر" أنه بينما كانت واشنطن تحاول الضغط لحذف أي إشارة لحليفتها "إسرائيل" ومن ذلك تورط قواتها العسكرية، طالبت موسكو بإضافة "المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار"، وهو ما ترفضه واشنطن بشكل قاطع ويقوض الموافقة على مشروع البيان، وهي الموافقة التي تتطلب إجماع كافة أعضاء المجلس الـ15.
ولأن الجزائر حريصة جدا على الوصول إلى نص توافقي بين جميع الأعضاء، بما يمكن من البناء عليه خلال المشاورات المستقبلية والتركيز أكثر على العناصر التي قد تحظى بإجماع الأعضاء ودحض الأصوات التي تسوق لاستحالة إجماع المجلس على أي نص بخصوص قطاع غزة المحاصر، بغية نشر التشاؤم والرضوخ للأمر الواقع الذي يحاول الاحتلال الصهيوني فرضه، فقد واصلت (أي الجزائر) مفاوضاتها التي كللت في النهاية بالنجاح وبالتالي اعتماد المشروع.
وبهذا يكون مجلس الأمن الدولي قد نجح، في غضون أقل من شهرين وبفضل جهود الجزائر المتواصلة وحرصها غير المنقطع على العمل من أجل توحيد المجلس حول القضية الفلسطينية، في التحدث بصوت واحد لتسليط الضوء على جرائم الاحتلال الصهيوني التي لم يعد ممكنا غض الطرف عنها حتى من جانب الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
مسار صعب
للتذكير، تسلمت الجزائر مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن في بداية شهر جانفي الماضي في عهدة أممية تستمر حتى نهاية 2025، ممثلة للعالم العربي والإسلامي والقارة الإفريقية. وقد أكد السفير عمار بن جامع، مندوب الجزائر الدائم في الأمم المتحدة، غداة تسلم المهام، أن الجزائر لن تدخر أي جهد من أجل إسماع الصوت العربي والإسلامي والإفريقي في هذا المحفل الدولي، بما يبين الحقيقة للرأي العام العالمي ويوقظ الضمائر الميتة لدى بعض الأطراف الدولية التي تمعن في ممارسة الجور والظلم بحق الشعوب المضطهدة والرازحة تحت الاستعمار.
إذ وقبل بدء عهدة الجزائر، لم تخف السلطات العليا في البلاد هدفها من عضويتها بمجلس الأمن الدولي، فقد سارعت الجزائر ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، يوم اندلعت معركة طوفان الأقصى وانتهت بانتصار فصائل المقاومة الفلسطينية، إلى تبني خطاب واضح لا غبار عليه ولا ضباب حوله، بل ومباشر ودقيق، جالبا إليه دعم الدول التواقة لإحقاق العدالة في الأرض وتخليص الشعوب المضطهدة من هيمنة الغرب الراضخ لعصا الصهيونية العالمية وأفاعيها وأذنابها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي الوقت الذي استغرق الإعلام العالمي وبعض الدكاكين الإعلامية العربية في وصف المقاومين الفلسطينيين بالإرهابيين، خرج الرئيس عبد المجيد تبون على العالم أجمع من ولاية الجلفة، مؤكدا أن المقاومة الفلسطينية ليست إرهابية وأنها تدافع عن أرضها ومقدساتها ولها كامل الحق في الدفاع عن نفسها والشعب الفلسطيني.
هذا الكلام وصل إلى مسامع الجميع حول العالم، رغم محاولات فرض الحصار على الموقف الجزائري إعلاميا ودبلوماسيا، من خلال إخفاء الحقيقة عن الشعوب العربية، لكن وبمجرد وصول بعثة الجزائر إلى قاعة الجلسات في مجلس الأمن الدولي حتى زال التعتيم وسقطت الأقنعة وانفضحت الوجوه القبيحة التي كانت تسمي المقاومة بمسميات مضللة، وتحركت دواليب العدالة في محكمتي العدل والجنايات الدوليتين وخسفتا بأطروحات الكيان المحتل وداعميه من كبار وأقزام الغرب وحلفائه في الشرق.
ولعل أبلغ ما قيل دفاعا عن فلسطين الجريحة في المحافل الدولية، والدموع التي سالت لأجل أطفالها ونسائها وشيوخها، ما نطقت به الجزائر على لسان سفيرها عمار بن جامع في جلسة لن تنسى أبدا، عندما قال: "سنعود لندق الأبواب ومعنا أرواح الأبرياء في غزة".. كلمات لاقت إشادة دولية وتقدير أحرار العالم.